Table of Contents
اضطررت في أحد الأيام من العام الماضي لإعداد بيتزا “مارغريتا”، و قمت، في نفس الوقت، بتنزيل صور لها في صفحتي بالفايسبوك، حيث تفاعل معها، بشكل كبير، العديد من الأصدقاء و مستعملي الفضاء الأزرق سواء من المغرب أو بعض بلدان أميركا اللاتينية خاصة التشيلي.
ما هي إذن بيتزا “مارغريتا؟ و لماذا تسمى بهذا الاسم الناعم؟ و من هو الطباخ الذي اخترع مارغريتا لتتربع على عرش ثقافة الغذاء الإيطالية و خصوصا ثقافة إعداد البيتزا التي جعلت من المطعم الإيطالي مفخرة ليس للإيطاليين وحدهم بل لشعوب كثيرة حتى أن المطعم الإيطالي بات له وجود متميز و محبوب في مختلف بقاع العالم جنوبه و شماله؟
قصتي مع هذا النوع من الغذاء الإيطالي
و قبل الإجابة عن هذه الأسئلة بما هي مفاتيح ضرورية للتعرف على قصة بيتزا “مارغريتا”، سأعمل على سرد قصتي الشخصية مع هذا النوع من الغذاء الإيطالي الشهير.
عندما تعلمت إعداد الكثير من الوجبات الشامية خلال سنوات إقامتي بدمشق (1983-1988)، لم تكن لدي أدنى فكرة عن البيتزا و عن أنواعها و كيفية إعدادها. لكن الظروف التي قادتني إلى العيش في مدينة أطلانطا بولاية جيورجيا، و الاشتغال في مطاعم إيطالية و الإشعاع الذي تخلفه وجباتها في المجتمع الأمريكي، خلق لدي اهتماما كبيرا حفزني على ضرورة تعلمها في وقت فقدت فيه العمل، و عانيت من استحالة العثور عليه مجددا بسبب الأعمال الإرهابية التي ضربت يوم 11 شتنبر 2001 مقر التجارة العالمي بنيويورك و مقر البنتاغون… حيث كلما تقدمت بطلب للعمل إلى المطاعم التي كنت أتوجه إليها، كنت أتلقى الرفض بحكم أن الخوف من تشغيل مهاجري البلدان العربية و الإسلامية ساد معظم الأوساط داخل المجتمع الأمريكي التي أرعبتها تلك الأحداث الإرهابية الخطيرة.
كيف تعلمت إعداد “بيتزا” مارغريتا!
غير أنني سأكون محظوظا عندما قبل رجل مكسيكي، اسمه “عزرائيل”، طلبي للعمل لديه في محل لإعداد البيتزا بمركب تجاري في مدينة صغيرة محادية لأطلنطا اسمها دورافيل. هناك سأخضع لتعليماته الدقيقة و هو خبير في صناعة كافة أنواع البيتزا الإيطالية بمختلف أحجامها. و كانت واحدة من هذه الأنواع اسمها “مارغريتا”. و عندما تعلمتها أصبحت أعشقها. و هي بالمناسبة تتميز بخاصيتين، البساطة و السهولة في إعدادها و طبخها من دون أي تعقيد بحكم قلة موادها المستعملة. كما أنها طبيعية جدا، و لا يحتاج الطباخ لإعدادها سوى الطماطم، الحبق (الريحان)، جبنة موساريلا، والاوريغانو “الزعتر البري” و قليل من زيت الزيتون.
“الكيتشوب” لا علاقة له بصلصة البتزا
غير أن هناك أمر عام، و هو أن أي نوع من البيتزا يحتاج إلى ميزتين مهمتين: الأولى هو إعداد العجينة بشكل جيد و ملائم، و في حال “مارغريتا” يفضل أن يتم إعداد العجينة باستخدام اليد و الأصابع بطريقة احترافية بدل الماكينة؛ و الأمر الثاني مرتبط بالصلصة و هي مكون أساسي، و لا بد من تفادي استعمال مادة “الكيتشوب” التي يفضلها الأمريكيون عند تناولهم للبطاطيس المقلية أو لسندويش “الهمبرغر”، فهذه المادة، في الحقيقة، لا علاقة لها بصلصة البيتزا، و ليس هناك صلصة بديلة سوى الصلصة الحقيقية كما يعدها الطباخون الإيطاليون.
بيتزا مارغريتا رمز للوطن والعلم
و بالطبع، السر في إعداد أي نوع من البيتزا بشكل ناجح هو أن تكون موادها موزعة بانسجام و تناغم يعطيها طابعا جماليا و يضمن لها طعما لذيذا، و هذا حال بيتزا مارغريتا التي لا تتوفر لا على لحوم أو أسماك و فواكه البحر أو خضر، بقدر توفرها على مواد طبيعية و قليلة (الريحان، طماطم، موساريلا) و لكنها لذيذة الطعم و جميلة الشكل، و ليس سرا أنها تحولت منذ القرن التاسع عشر إلى رمز للوطن الإيطالي، فما هو أصل بيتزا مارغريتا و لماذا اكتسبت شعبية كبيرة مع أنها سهلة في إعدادها و بسيطة في مكوناتها؟
هناك أنواع لا حصر لها من البيتزا تحتوي على جميع أنواع المكونات ، ولكن إذا كان هناك نوع لا يمكن أن يكون مفقودًا في أي قائمة للوجبات في المطاعم الإيطالية و غيرها، فهو بيتزا مارغريتا. فماهو إذن أصل بيتزا مارغريتا؟
العلم الايطالي اسم بيتزا مستمد من اسم الملكة
يعود أصل بيتزا مارغريتا و تسميتها إلى القرن التاسع عشر، و بالضبط عام 1889، و هو التاريخ الذي انطلقت منه شعبيتها، حيث بعد توحيد إيطاليا زارت الملكة مارغاريتا سافوي مدينة نابولي، فقام أحد الطباخين المشهورين، اسمه رفائيل إسبوسيتو، بمساعدة زوجته على ابتكار بيتزا تكريما للملكة و أطلق عليها اسم الملكة نفسها بعد أن أبدع شكلها المستمد من العلم الإيطالي و من الوانها الثلاثة: أخضر (الريحان)، أبيض (موساريلا)، أحمر (الطماطم).
مارغاريتا ملكة في مملكة البيتزا
و على الرغم من الجدل الذي أثاره بعض المختصين في تاريخ الغذاء الإيطالي، و الذين توحي نقاشاتهم بأن فكرة بيتزا مارغريتا و مكوناتها كانت موجودة في السابق، فإن الشعب الإيطالي و النخبة الثقافية لديهم اقتناع أن ابتكار هذه البيتزا الشهيرة يعود الفضل فيه إلى الطباخ رفائيل بمساعدة زوجته خصوصا و هو يختار مكوناتها وفق ألوان العلم الإيطالي كأنه كان يريد رسم لوحة من لوحات الفنون التشكيلية و ليس وجبة شهية و لذيذة على شرف الملكة مارغاريتا. و لذلك، و بالرغم من بساطتها و قلة موادها، فإن بيتزا مارغريتا تعتبر لدى الكثير من الإيطاليين بأنها ملكة جميع أنواع البيتزا و معيار حقيقي للمطبخ الإيطالي و سيدة الوجبات التي تتربع على عرش ثقافة الغذاء في إيطاليا و رمز من رموز الوطن الإيطالي طالما أنها تحمل شكل علمه أو هي مطابقة له.
مادا سيكون موقف الايطالي وهو يطلب بتنزا مارغريتا
عندما كنت أرغب في تناول بيتزا مارغاريتا في بعض المطاعم و محلات البيتزا بالمغرب، فلا أجد تفسيرا عندما يقدمون لي بيتزا مارغريتا غير حقيقية، مزورة تماما بسبب افتقادها للريحان و لطريقة الإعداد الملائمة و لشكلها المشوه، و غالبا ما تكون المفارقة في بعض المحلات، أنها تعلق صورا للبيتزا الحقيقية بمكوناتها بما فيها الريحان، في الوقت الذي يـعدون لك مارغريتا بدون ريحان. فماذا سيكون موقف السائح الإيطالي و هو يطلب بيتزا مارغريتا في هذه المطاعم المغربية ليفاجأ بأنها ليس حقيقية؟ بالطبع سيكون موقفه شبيه بموقف أي مغربي قد يدخل مطعما في مدينة نيويورك أو مدينة نابولي لتناول وجبة الكسكس، فيجده لا يتوفر على مادة القرع، أو يفتقد لمادة السمن أو لبعض المكونات الأساسية الأخرى او أن مادة الكسكس غير ناضجة.
في حلقات قادمة سننشر مزيدا من المقالات حول أنواع اخرى من البيتزا، بأحجامها المختلفة، و كيفية إعداد العجين و الصلصة الحقيقية و سر نكهتا الطيبة.