أشكر دمشق، فلولاها ما تعلمت كيف يكون لي موقفا سليما ومناهضا للنظام البعثي الاسدي.
وفي الاسابيع الاولى من سفري إلى سوريا كانت المدينة الشامية توفر لي كافة المؤشرات و المعطيات التي تدل على الطبيعة الاستبدادية للنظام الاسدي في ظل حكم حافظ الأسد.
مرجعية مؤسس حزب البعث ميشيل عفلق
ويعود الفضل في سفري لهدا البلد العزيز إلى صحيفة أنوال والكتابة الوطنية لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي قررت إرسالي إلى هناك لكي استكمل دراستي في الجامعة، وكنت أعي جيدا، كمناضل في صفوف منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وجود علاقة طيبة بين حزبي البعث في كل من سوريا والعراق رغم عدائهما وتناحرهما وانشقاقهما وخيانة مرجعية مؤسس حزب البعث ميشيل عفلق في وقت كانت استراتيجيتهما القومية واضحة.
سجن خيرة التقدميين اليساريين
بالطبع منظمة العمل كان لها تقدير في هده العلاقة مبني على اعتقادها بان كلا حزبي البعث العربي الاشتراكي في البلدين الشقيقين يناهضان دولة الاحتلال الصهيوني ويدعمان القضية الفلسطينية ويناضلان من أجل وحدة الامة العربية. لكن وانا أعيش في سوريا أكثر من 4 سنوات، اكتشفت وأنا اتجرع مرارة الشعارات البعثية الزائفة التي لا تستقيم مع مصادرة حق الشعب السوري في أن ينعم بالحرية والديمقراطية وفي ان تكون له مؤسسات تنفيذية و تشريعية منبثقة من إرادته و ان يختارها في انتخابات نزيهة و حرة، فضلا عن مصادرة حقه في وجود أحزاب يكون لها الحق في تعبيراتها السياسية و في مشاركتها وفق قوانين التعددية السياسية و المرجعية الديمقراطية، ناهيك عن سجن خيرة التقدميين اليساريين و الليبيراليين دون محاكمتهم.
المجتمع السوري كان في حالة اختناق شديد
ولم أكن لأقتنع بموقفي المناهض الدي تبلور بالتدرج وبات لاحقا بمثابة قناعة راسخة لو لا وجود مصادر قوية استقي منها المعلومات ومعايشتي اليومية وسط المجتمع السوري الدي كان في حالة اختناق شديدة مسيج بإجراءات العسكرتارية البعثية الفاشية. وتلك المصادر هي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي اشتغلت في مجلتها “الحرية” التي كان يسمح لي العمل وسط صحفييها، وهم كتاب وشعراء وروائيون مرموقون، من التعرف على طبيعة نظام البعث الاستبدادية، كما أفادتني علاقتي بأعضاء في المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية وفي مؤسسة علاقتها الخارجية الموجودة بجوار مقر مجلة الحرية.
نفس الشيء بالنسبة لرفاق في الجبهة الشعبية وفصائل فلسطينية أخرى و سوريين تقدميين كانت تربطني معهم علاقة طيبة ضمنهم الدكتور أحمد و زوجته الفاضلة اعتدال و هما عضوان في حزب العمال الثوري الدي كان يتزعمه المناضل اليساري الكبير ياسين الحافظ. و كنت اختنق لأن علاقتي بصفتي كاتبا عاما آنذاك لفرع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في سوريا كانت دائما متوترة فقط لأن فرع نقابتنا الطلابية ملتزمة بمرجعية مبادئه الراسخة ضمنها الاستقلالية و كنت أرفض التوقيع على البيانات الداعمة للقضية الفلسطينية يكون مضمونها كله إشادة ب “البطل القومي حامي العروبة و ضامن لوحدة الشعوب العربية” و ما إلى دلك من فذلكات،
و بقدر ما اكتشفوا رفضنا للخضوع إلى الولاء لتوجهات النظام الاستبدادي، كانوا لا يسلموننا الميزانية السنوية التي يسلمونها لباقي الاتحادات الطلابية العربية الخاضعة للولاء. وأديت ثمنا لدلك الموقف بأن حقد البعثيون علي خصوصا من قيادة النقابة الطلابية البعثية التي تهيمن وحدها في كل الساحات الجامعية في سوريا.
طبيعة التفكير الأحادي المتعالي
كما كانت زياراتي لمكتب المغرب العربي في القيادة القطرية تعطيني باستمرار الانطباعات الكافية للتعرف على طبيعة التفكير الأحادي المتعالي والمتعجرف، وعلى البلاغة السياسية التي كنت كل مرة اكتشف فيها المفارقة والتناقض بين التعبير عن المواقف القومية “الداعمة للقضية الفلسطينية” وبين ممارسات على الأرض تسيء وتضر بالقضية الفلسطينية و بالقيادة الشرعية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وتعرفت أكثر على الطبيعة الاستبدادية للنظام الأسدي من خلال الأحداث في الحرب الاهلية في لبنان، وانا في الأسابيع الاولى في دمشق، تكسر لا وعيي لأتذكر فانيسا رودغريف السينمائية البريطانية التقدمية التي أنجزت فيلمها الوثائقي الهام حول المجازر التي تعرض لها الفلسطينيون خاصة مجزرة مخيم تل الزعتر من قبل ميليشيات اليمين المسيحي بتنسيق وتوجيه كامل مع قوات الجيش السوري. وهنا التاريخ حاسم ويدين النظام الأسدي على مشاركته القوى اليمينية المسيحية الفاشية في قتل أزيد من 4 آلاف فلسطينيا وفلسطينية بينهم أطفال ونساء، فضلا عن المفقودين و الجرحى.
مجريات ووقائع مجزرة تل الزعتر
من يدافعون عن النظام الاسدي لا يعرفون هده الحقيقة لأن الإيديولوجية أعمته عن رؤية هده الحقائق التي كشفتها المخرجة السينمائية فانيسا رودغريف و هي التي أدت ثمنا باهضا للنضال من أجل عدالة القضية الفلسطينية و هو ما عرضها للمحاكمة من قبل القضاء البريطاني.
من يريد معرفة هده الحقائق عليه أن يشاهد فيديوهات في اليوتوب يشرح فيها المناضل الكبير نايف حواتمة مجريات ووقائع مجزرة تل الزعتر لكي يعرف أن القادة الصهاينة ليسوا وحدهم من سفكوا دماء الفلسطينيين، وإنما النظام الطاغية البعثي الأسدي الدي كان في بلاغته السياسية يوهم الواهمين بأنه يدافع عن القضية الفلسطينية.
نظام الأسد شارك السعودية وأميركا في الحرب صد العراق
و سانهي الحلقة الأولى بالتذكير، أنه بعدما عشت 4 سنوات و نيف في سوريا، رجعت من دمشق عام 1988 التي دخلتها عام 1983، من داخل أنوال التي كانت لا تسمح بنشر المقالات المنتقدة للنظامين البعثيين الاستبدادين في سورية و العراق، كنت أول من تجرأ على كتابة مقال في أنوال مصحوب بصورة لتمثال حافظ الأسد، يفضح طبائعه الاستبدادية كما عشتها في دمشق و عاينتها في مدن سورية أخرى، ولم يعترضوا رفاقي في أنوال، بل رحبوا به، و كان مقدمة ستفتح المجال لكتاب من سوريا و تونس و فلسطين لكي ينشرون مقالاتهم ضد نظام الأسد بسبب تموقعه إلى جانب قوات الحليف الثلاثيني لشن حرب عدوانية ضد الشعب العراقي بعد أن قام صدام حسين بغزو الكويت.
وهناك من تناسى أن سوريا حافظ الأسد حاربت إلى جانب أمريكا والسعودية وبريطانيا و فرنسا و هلم جرا لإسقاط نظام البعث في العراق و تدمير مقدراته الاقتصادية و قتل المئات الآلاف من مواطنيه.الجبهة الديمقراطي