Table of Contents
“إذا لم تنتهِ الإبادة الجماعية، فذلك لأنها تجارة مربحة للغاية”. هذا ما أكدته المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية، فرانشيشكا ألبانيز، في تقريرها الذي نشرته العديد من الصحف الأميركية والدولية، نظرا لما يحتويه من حقائق حارقة لاقتصاد الإبادة الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني وللشركات المستفيدة من الأرباح منها.
من أجل مقاطعة ظاهرة الإبادة الجماعية
التقرير اختارت له ألبانيز عنوانا بارزا ومعبرا عن واقع الحال وهو “من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية”، وهو في الحقيقة دراسة شاملة توضح كيفية تمويل الشركات الكبرى للإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني وتربح منها، كاشفة عن وجود نظام الفصل العنصري الإسرائيلي بشكل غير مباشر، متسائلة: “أين نتسوق، وأين نتزود بالوقود وأين نودع مدخراتنا، وغيرها من الأمور اليومية التي تمول، دون ان ندري!؟
وتستنتج المقررة الأممية، ألبانيز، والتي من الفروض أنها تخاطب من خلال تقريرها الموضوعي كافة الحكومات والمواطنين العاديين في العالم من أجل ان تتم مقاطعة ظاهرة الإبادة الجماعية الخطيرة على حياة شعب أعزل نذنبه الوحيد أن أراضيه وقعت تحت قبضة الاحتلال الإسرائيلي مند ازيد من 70 سنة، حيث تؤكد على أن الإبادة إذا لم تنته حتى الآن، فلأنها مربحة للغاية!
الشركات الكبرى مسؤولة عن الإبادة الجماعية
وتوضح ألبانيز في تقريرها، أن “الشركات الكبرى لا تستفيد فقط من الإبادة الجماعية الإسرائيلية، بل هي التي جعلتها ممكنة ومستمرة. فالاقتصاد ليس مجرد مستفيد جانبي من هذا العنف؛ بل هو الجهاز الذي يُبقيه مستمرًا”.
و مما كشف عنه تقريرها أن “مُصنّعي الأسلحة الذين يُزوّدون الجيش الإسرائيلي، وشركات الآلات الثقيلة المُستخدمة في تدمير أحياء في الضفة الغربية، والجماعات الزراعية التي تُسوّق منتجات المستوطنات غير الشرعية، والبنوك التي تُموّل الهجوم على غزة: جميعهم يلعبون دورًا رئيسيًا في آلية التطهير العرقي”.
تقول ألبانيز في التقرير: “استمرت هذه الشركات في إمداد السوق الإسرائيلية رغم وجود أدلة دامغة على استخدام إسرائيل الإجرامي لهذه المعدات والدعوات المتكررة من منظمات حقوق الإنسان لقطع العلاقات”.
“يُصبح الموردون السلبيون مساهمين مُتعمدين في نظام التهجير”، موضحة بأن المجمع الصناعي العسكري هو “العمود الفقري الاقتصادي” لإسرائيل. بفضله، يتمتع الجيش بإمكانية وصول مستمرة إلى الذخيرة والطائرات المسيرة وغيرها من المعدات المستخدمة في غزة والضفة الغربية. وباعتباره حقل تجارب لصناعة الأسلحة، يتفاخر المصنعون بأن منتجاتهم مُختبرة في القتال”، وهو ادعاء يزيد من قيمتها التجارية.
تطوير أنظمة تحليل البيانات ودمجها بالذكاء الاصطناعي
ترى المقررة الأممية، ألبانيز، أن “الشركات التي تُقدم الأسلحة والدعم الفني عززت قدرة إسرائيل على ترسيخ نظام الفصل العنصري”. وقد دأبت شركات مثل شركة لوكهيد مارتن الأمريكية، التي تُمثل 1600 مُصنِّع حول العالم، على تزويد الجيش الإسرائيلي بطائرات إف-35 المقاتلة، وهي طائرات حيوية لقصف غزة وهجمات مثل الهجوم على إيران في يونيو الماضي.
وكشفت ألبانيز في تقريرها أنه في مايو من هذا العام، توصلت شركة لوكهيد مارتن إلى اتفاقية تعاون مع وزارة الدفاع الإسبانية لتزويد صناعة الدفاع الوطنية “بقدرة هندسية وإنتاجية أكبر”. وتشير التقديرات إلى أن وزارة الدفاع قد وقّعت في السنوات الأخيرة أكثر من 40 اتفاقية مع الشركة، بقيمة تزيد عن ملياري دولار.
و في نفس السياق، ورد اسم شركة التكنولوجيا الأمريكية بالانتير في تقرير ألبانييز لتزويدها الجيش الإسرائيلي ببرمجيات تُمكّن من اتخاذ القرارات آليًا في “حالات الحرب”.
مايكروسوفت وشركات أخرى تزود إسرائيل بخدمات الذكاء الاصطناعي
وللشركة، يقول التقرير، فرع في إسبانيا، “بالانتير تكنولوجيز إسبانيا إس إل”، وقد حصلت على عقد بقيمة 16.5 مليون يورو مع وزارة الدفاع الإسبانية في أكتوبر 2023 لتطوير أنظمة تحليل البيانات ودمجها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وأشار إلى شركات تقنية كبرى أخرى، مثل مايكروسوفت وألفابت وأمازون، تزود إسرائيل بخدمات تخزين البيانات والذكاء الاصطناعي، “مما يُحسّن معالجة البيانات، واتخاذ القرارات، وقدرات المراقبة والتحليل”.
عمليات الهدم واسعة النطاق
ومن جانب آخر، تُستهدف شركات صناعة السيارات العملاقة، مثل هيونداي (كوريا الجنوبية) وفولفو (السويد)، بزعم بيعها معدات ثقيلة لإسرائيل. تُعدّ هذه المركبات أساسيةً في عمليات الهدم واسعة النطاق في غزة والضفة الغربية. بين أكتوبر 2023 وأكتوبر 2024، شيّدت إسرائيل 57 مستوطنة جديدة “بمساعدة شركات إسرائيلية ودولية تُزوّدها بالآلات والمواد الخام والدعم اللوجستي”، وفقًا للتقرير الأممي.
وقالت المقررة ألبانيز بوضوح شديد وهي تُحذّر الجميع أن ما تقدمه ليس قائمة، بل نظام، وبالتالي، فهو يتطلب استجابة هيكلية من الدول والمنظمات الدولية”.
ترى ألبانيز أن مسؤولية الإبادة الجماعية الفلسطينية تتجاوز إسرائيل. ووفقًا للمقررة، فإن الإطار القانوني الدولي يُوفر بالفعل أساسًا متينًا لتحديد المسؤولية الجنائية والمدنية للشركات التي تُسهّل ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وترى أن ما يحدث في فلسطين “خط أحمر”.
يُحذّر تقرير ألبانيز من وجود سوابق تاريخية بالفعل. فبعد الحرب العالمية الثانية، وضعت محكمة نورمبرغ علامة فارقة قانونية بمقاضاة المديرين التنفيذيين لشركة آي جي فاربن – عملاق الصناعات الكيميائية الألماني – بتهمة توريد غاز زيكلون ب ومنتجات أساسية أخرى لجهاز الإبادة النازي.
وحدث أمر مماثل في لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا، التي حددت مسؤولية العديد من الشركات عن انتهاك حقوق الإنسان للسكان السود.
على الدول والمواطنين التحرك.
تختتم المقررة الخاصة تقريرها بإصدار عدة توصيات للدول “لإنهاء الإفلات من العقاب” و”كبح الإبادة الجماعية”. من بين التدابير المقترحة “حظر شامل” على شراء وبيع الأسلحة وفرض “عقوبات”.
كما تدعو إلى تعليق جميع الاتفاقيات التجارية مع إسرائيل، واتخاذ إجراءات ضد الشركات الوطنية المعنية التي تمول الإبادة الجماعية أو تستفيد منها.
في هذه اللحظة الحاسمة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، يجب على النقابات والمحامين ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين أنفسهم الضغط على الشركات والحكومات لتغيير مواقفها.