الشعبية المتزايدة للحركات اليمينية المتطرفة بين الشباب هي ظاهرة اكتسبت أهمية في السنوات الأخيرة، سواء في أمريكا اللاتينية أو في أوروبا وأجزاء أخرى من العالم.
يثير هذا الارتفاع تساؤلات عميقة حول الأسباب التي تدفع الشباب إلى مواءمة أنفسهم والتماهي مع الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة التي تبدو، في كثير من الحالات، متناقضة مع القيم الإنسانية الأساسية، مثل المساواة والعدالة والإدماج والحرية والديمقراطية.
السياق التاريخي والاجتماعي
شهدنا في العقد الماضي سلسلة من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تركت العديد من الشباب محبطين من النظام: من الأزمة المالية لعام 2008 إلى جائحة كوفيد-19. أثرت الصعوبات الاقتصادية على جزء كبير من السكان، مما خلق بيئة من عدم اليقين واليأس.
في مواجهة هذا الوضع، بدأ بعض الشباب في البحث عن إجابات في الأيديولوجيات المتطرفة التي تعد بتغيير جذري في الوضع القائم.
البحث عن الهوية والانتماء
يخصص الشباب وقته للبحث عن الهوية، ويمكن أن يوفر التواصل مع الجماعات التي تمثل أيديولوجيات قوية شعورا بالانتماء. غالبا ما أنشأت الحركات اليمينية المتطرفة سرديات مبسطة تُثير المشاعر الأساسية وتوفر أعداء واضحين لتوجيه إحباطاتها نحوهم. قد يكون هذا جذابًا بشكل خاص لأولئك الذين يشعرون بالتهميش أو الإحباط من السياسات السائدة، والتي يشعرون أنها فشلت في معالجة مخاوفهم المشروعة.
وقد دفعت هذه الحاجة إلى الانتماء، إلى جانب البحث عن الهدف، العديد من الشباب إلى الانجذاب نحو هذه الحركات.
دور وسائل التواصل الاجتماعي
لعب صعود وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا دورًا حاسمًا في انتشار الإيديولوجيات اليمينية المتطرفة. تسمح هذه المنصات بالتداول السريع للأفكار وتعزز المجتمعات عبر الإنترنت التي تنشئ هذه الأيديولوجيات وتغذيها.
لقد ولد انتشار المحتوى الاستقطابي أنظمة بيئية يمكن أن تتطور فيها المعتقدات المتطرفة، مدفوعة بالرغبة في أن تكون جزءًا من مجموعة تبدو وكأنها تقّم حلولًا ملموسة لمشاكل مُعقدة.
والأكيد، أن المعلومات المضللة والتلاعب بالسرديات أمر شائع في هذه البيئات، مما يساهم في تبني الشباب لوجهات نظر مشوهة للواقع تبرر اغترابهم.
تسويق خطابات اليمين المتطرف
لقد تركت الثقافة الشعبية وعودة القومية بصماتها على هذه الظاهرة. ففي كثير من الحالات، وجدت الجماعات اليمينية المتطرفة طرقا لتقديم أيديولوجياتها بطرق جذابة وسهلة الوصول من خلال وسائل الإعلام والموسيقى والفن.
يمكن أن يكون هذا النهج، إلى جانب خطاب يعزز الشعور بالوحدة والفخر الوطني، جذابا للشباب الذين يسعون إلى الشعور بالهوية في عالم معولم تتكثف فيه عمليات تسويق خطابات اليمين المتطرف.
التناقضات الداخلية
ومن المهم تسليط الضوء على التناقضات الموجودة داخل هذه الأيديولوجيات المتطرفة. فعلى الرغم من أنها قد تقدم خطابًا” مقنعًا” لمن يسهل عليه الانخداع بمحتواه، إلا أن مبادئها واستراتيجياتها غالبًا ما تتعارض مع القيم الإنسانية العالمية.
ويثير الوعد بالأمن والازدهار على حساب المجموعات العرقية الأخرى أسئلة أخلاقية خطيرة. قد لا يكون العديد من الشباب، من خلال مواءمتهم لهذه الأيديولوجيات، على دراية كاملة بتداعيات معتقداتهم. إن مبادئ المساواة والاحترام والعدالة الاجتماعية أساسية لبناء مجتمع عادل.
اضطهاد الأقليات وتشكيك في حقوق الإنسان
والحركات اليمينية المتطرفة، من خلال تكريس الخوف والانقسام، تولد سياقات غالبًا ما تكرس اضطهاد الأقليات وتشكيك في حقوق الإنسان، ما يؤدي جراء هذا الانقسام عند البحث عن الهوية والانتماء والقيم الأساسية إلى نقص في التفكير النقدي والفحص المتعمق لتداعيات خياراتهم الأيديولوجية.
البحث عن بدائل
في مواجهة هذا السيناريو، من الأهمية بمكان تعزيز الحوار المفتوح والتعليمي الذي يوفر للشباب أدوات لفهم الأيديولوجيات التي يواجهونها والتشكيك فيها.
إن مساحات النقاش والتعليم الشامل وتعزيز التعاطف ضرورية لإنشاء جيل يقدر الاحترام والتنوع على الانقسام. من الضروري تعزيز محو الأمية الإعلامية حتى يتمكن الشباب من التمييز بين المعلومات والمعلومات المضللة، وبالتالي تطوير التفكير النقدي الذي يسمح لهم بالتشكيك في السرديات التبسيطية لليمين المتطرف.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي
وفي الخلاصة، فإن الدعم المتزايد لليمين المتطرف بين الشباب يرجع إلى عوامل متعددة، من أزمة الهوية إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي.
مع أن هذه الأيديولوجيات قد تُعطي شعورًا مؤقتا بالانتماء والهدف، إلا أن مبادئها غالبًا ما تتعارض مع القيم الإنسانية الأساسية. ولمعالجة هذه الظاهرة، من الضروري تثقيف الشباب وتوفير الأدوات التي تُمكّنهم من تكوين آراء واعية وفعّالة لبناء مستقبل قائم على المساواة والاحترام والثقة بالنفس.