إسماعيل طاهري
أمام التقدم البطيء في تحقيق نزاهة الإنتخابات في المغرب، وتوالي العمليات الانتخابية في وقتها وعجزها عن فرز نخب ومؤسسات قادرة على قيادة التغيير والإصلاح وبناء دولة ديمقراطية متقدمة اقتصاديا ومزدهرة اجتماعيا وثقافيا، فإن السؤال يتجدد حول مدى نجاعة حلم التغيير من داخل المؤسسات؟
سؤال مركب وليس من السهل أو البساطة الإجابة عليه بجرة قلم. إنه سؤال إشكالي يحتاج إلى تمحيص وبحث معمق.
ما أعرفه هو أن التغيير من خارج المؤسسات في المغرب هو الذي نجح نسبيا من خلال دفع النظام إلى إحداث تغييرات بعد أحداث الدار البيضاء في 1965 ثم بعد إضراب 14دجنبر 1990, مرورا بحركة 20 فبراير.
أما التغيير من داخل المؤسسات من خلال حكومة عبد الله إبراهيم وحكومة اليوسفي وحكومة عباس الفاسي وحكومة بنكيران فلم يحقق الا نتائج متوسطة ولقيت هذه الحكومات مقاومة شرسة من القوة الثالثة وجيوب مقاومة الإصلاح والساحرات والعفاريت و التماسيح ..
ومع ذلك فقد حققت هذه الحكومات مكاسب اقتصادية واجتماعية وديمقراطية لا يمكن الإستهانة بها خصوصا في حكومتي عبد الله إبراهيم وحكومة التناوب التوافقي مع عبد الرحمان اليوسفي.
كما شكلت هذه الحكومات تمرينا ديمقراطيا لشكل من أشكال المشاركة السياسية الحزبية في الحكومات إلى جانب القصر الملكي وحلفائه.</p>
وأمام محدودية التغيير من الخارج/الشارع وأفقه الثوري المسدود بعد التطورات الدولية وانهيار المعسكر الإشتراكي وصعود المد الإرهابي اتجهت النخبة المغربية إلى الوعي بأهمية المشاركة السياسية في الانتخابات والمشاركة في أوراش الإصلاح التي فتحتها حكومة
التناوب التوافقي وتبناها العهد الجديد.
واستبعد هنا من التحليل ضغوط المؤسسة الأمنية والعسكرية لإحداث تغيير ما من الداخل لأن المدرسة السياسية التي تربيت فيها تستبعد كليا التركيز على هذا الجانب لأنها تعتبره خيارا كارثيا وغير مرغوب فيه والدليل على ذلك الآثار الخطيرة التي نجمت عن المحاولتين الانقلابيتين لسنتين 1970و1971. علما أن تدخل الأجهزة الأمنية والعسكرية في العملية السياسية كانت وبالا على الديمقراطية في عدد من بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا.
…
لا يمكن الجزم بفشل الإصلاح والتغيير من داخل المؤسسات لأن الأمور في النهاية تبقى نسبية، وطريق الإصلاح طويل ومليء بالأشواك والعراقيل والتفاصيل الشيطانية العصيبة على الفهم. ولكن النتيجة دائما تكون إيجابية ولو بعد أجيال وإجلال. بالإصلاح والتغيير خاضع لقانون موازين القوة.
نعم التغيير عبر الإصلاح يقتضي توفر إرادة سياسية من كافة أطراف المشهد السياسي الوطني وفيه نوع من الإرادوية لذلك نرى في المغرب تنوع مشاريع الإصلاح السياسي بين من يطالب بتسريع وتيرة الإصلاح أو إعطاء نفس سياسي جديد للمرحلة أو عبر فتح حوار وطني حول ملف الانتقال الديمقراطي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. أو الدعوة إلى إصلاحات دستورية وسياسية…الخ.
أما التغيير الثوري فهو لا يرتبط بالإرادية وإنما يحدث كالعاصفة او الطوفان أو الزلزال ولا أحد قد يتنبأ بتوقيت حدوثه أو التعرف على قوته التدميرية للدولة والمجتمع.
لهذا فالقول بفشل التغيير والإصلاح من داخل المؤسسات في التجربة المغربية قد ينطبق على الماضي ولكن لا يمكن إسقاطه على المستقبل. ببساطة لأن هذا التغيير الإصلاحي هو المستقبل نفسه مهما طال الزمن.
والدفع بمثل هذا التحليل هو توصيف لفشل تجارب حزبية محددة وشخصيات معينة ولا يمكن أن نقبل أن يكون هذا الفشل فرصة لرجم المستقبل به، فلكل زمان رجاله وأحزابه.
إن الجزم بفشل التغيير والإصلاح من الداخل هو لحظة يأس قاتلة قد تجهض كل ما تحقق من تراكم على مستوى الهامش الديمقراطي وتوسيع فضاء الحرية في العمل السياسي والمدني.
والجزم بفشل التغيير والإصلاح من داخل المؤسسات هو دعوة صريحة إلى مقاطعة الإنتخابات وتضييق فضاء مشاركة النخب المتنورة في العملية السياسية. وتحريض على العزوف السياسي مما يجعل الساحة فارغة أمام أباطرة الفساد الإنتخابي التي لن تقوم لها قائمة اذا ما سجلت الانتخابات العامة لسنة 2026 و2027 نسبة مشاركة عالية.