Table of Contents
في كل مجتمع عبر العالم يلعب الشباب كفئة اجتماعية مسكونة بهموم شعبها و بحماسة لا تضاهيها حماسة للدفاع عن قضاياه الاجتماعية والسياسية، إلا وتجده في مقدمة كل حركة نضالية وثقافية وبيئية وإجماعيه، وهو بدلك مشهود له على طليعيته النضالية عبر المعمور.
لإبراز دور الشباب في هدا الإطار، اختارت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مناسبة اليوم العالمي للشباب، لكي تصدر بيانا فيه توصبف دقيق لدور الشباب الطلائعي داخل المجتمع، ارتأينا نشره كاملا تعميما للفائدة:
“أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1999 يوم 12 غشت يوما دوليا للشباب، وهو اليوم الذي دأبت على إحيائه
الحركة الديمقراطية والحقوقية عبر مختلف بقاع العالم، إيمانا منها بالأدوار المهمة التي يلعبها، الشباب المنضوي تحت
لواء المنظمات الديمقراطية، في النضال من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية وكافة حقوق الإنسان للجميع؛ كما يعد
مناسبة لتسليط الضوء على واقع الشباب، والعمل الجدي على إقرار حقوقه السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية والبيئية واحترامها.
عمل الشباب وأهداف التنمية المستدامة
وقد اختارت الأمم المتحدة، لهذه السنة، موضوع العمل الشبابي المحلي من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وما
بعدها لتسليط الضوء على الدور الفريد، الذي يضطلع به الشباب، في تحويل الطموحات العالمية إلى واقع مجتمعي
نابض. ففي الوقت الذي يسعى فيه شركاء التنمية إلى تكييف الأهداف العالمية، وتنفيذها ضمن سياقات محلية تتماشى مع
احتياجات المجتمعات، مع الحفاظ على الاتساق مع الالتزامات الوطنية والدولية، يُعد الشباب شركاء لا غنى عنهم في هذا
المسار. فهم يقدّمون إبداعًا ثريًا، وبصيرة نافذة، وصلات متينة بمجتمعاتهم المحلية، تتيح سد الفجوة بين السياسات
والتطبيق. ونظرًا إلى أن أكثر من 65 في المائة من غايات أهداف التنمية المستدامة ترتبط بالحكم المحلي، فإن إشراك
الشباب ليس ترفًا بل ضرورة حتمية.
طليعة الشباب في استنكار ضلوع الامبريالية المذابح الصهيونية
ويأتي هذا اليوم في سياق دولي شديد الخطورة والحساسية. ففي الوقت الذي يواصل فيه الكيان الصهيوني حرب
الإبادة والتطهير العرقي في حق الشعب الفلسطيني بغزة، ويمعن في تنفيذ جرائم القتل في الضفة الغربية وسائر فلسطين
المحتلة، انفجرت صحوة شبابية في مختلف بقاع العالم؛ إذ خرج المواطنات والمواطنون، وفي طليعتهم الشاب، ليحتجوا
ويستنكروا الضلوع المباشر للدول الإمبريالية في المذابح الوحشية والمريعة التي تقترفها الآلة الصهيونية في حق
الفلسطينيين.
فبالولايات المتحدة الأمريكية اعتصم طلاب جامعة كولومبيا كاحتجاج وتعبير صارخ على رفضهم لهذا العدوان، وهو ما انتشر
بشكل لافت داخل التراب الأمريكي عبر مجموعة من التحركات التي قادها الشباب بتعبيرات
مناهضة للتوجه الإمبريالي الذي تتزعمه أمريكا وحلفاؤها، في مواجهة باقي دول العالم؛ وضد ما يشكله الانفاق الخيالي
على هذه الحرب الاجرامية، لفائدة المركب الحربي الصناعي، من إجهاز على حقوق الشباب، خاصة منها تلك المتعلقة
بحقهم في التعليم والشغل والحماية الاجتماعية وحرية التعبير. هذا فيما يستمر ذات التوجه في خوض حروبه الاقتصادية
والتجارية التي تروم تأبيد هيمنته على باقي دول العالم، عن طريق إملاءات المؤسسات المالية الدولية، التي تتحكم في
الاقتصاد العالمي وتخدم أجندة رأسمالية متوحشة، وتوظف حلف الناتو كآلية عسكرية تواجه بها كل من يتمرد على ذلك.
الامر الذي بات يهدد لا محالة، بشكل أكثر حدة، حقوق الشعوب، وضمنها الحقوق الأساسية للشباب والتي تأتي في
مقدمتها الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية.
استمرار الدولة في نهج اختيارات سياسية واقتصادية غير عادلة
أما على المستوى الوطني، فتخلد الجمعية هذا اليوم في ظل ارتفاع وتيرة التضييق على الهيئات والمنظمات الشبابية
وضرب حقها في التعبير والتنظيم والاستفادة من الدعم العمومي والفضاءات العمومية، وتواتر حالات قمع المظاهرات
والاحتجاجات السلمية والاعتقالات السياسية، واستمرار الدولة في نهج اختيارات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية غير
عادلة، في مجالات الصحة والتعليم والشغل والحريات؛ التي يشكل الشباب والشابات ضحاياها الأكثر، فيما تتسارع عملية
خوصصة التعليم والصحة، وفرض العمل بالعقدة والرفع من سن التقاعد، وتتزايد تكاليف الحصول على الخدمات الأساسية،
ويجري التقليص من مؤسسات الإيواء الجامعية والتضييق على حرية الرأي والتعبير بشن الاعتقالات والمتابعات ضد
الشباب المحتج وغلق الفضاء الرقمي أمامهم وخنق حرية التعبير ولإبداع عندهم.
قوارب الموت محملة بالشباب الهرب من جحيم الواقع
وهكذا لم تتوقف الدولة عن مواصلة هجومها الجارف والعام على الحقوق والحريات الفردية والجماعية لا سيما تلك
الملتصقة بحال الشباب ومآله؛ وهي بهذا لا زالت سادرة في نهج نفس السياسات رغم افلاسها، عبر حكومات طيعة وفاقدة
لكل قرار، مما أفضى إلى المزيد من تدهور الأوضاع المرتبطة بالشباب. لذا ليس مستغربا أن يجازف الكثير من الشباب
بركوب البحر أملا في غد أفضل، بعدما انعدمت السبل أمامه وسدت الآفاق في وجهه؛ وهو مشهد بات مألوفا ومعلوما
بالنسبة للعموم، لكثرة ما سمعوا عن قوارب الموت وهي تغادر محملة بالشباب الهارب من جحيم هذا الواقع قبل أن تبتلع
العديد منهم ظلمات اليم وتفجع أسرهم كما الوطن فيهم.
الهجوم على التنظيمات الشبابية
كما أن الأمر لم يقتصر على هذا بل امتد ليشمل الهجوم على التنظيمات الشبابية المناضلة، التي حملت على عاتقها
مسؤولية النهوض والمواجهة من أجل بناء الوطن؛ كما هو الشأن، على سبيل الذكر لا الحصر، بالنسبة للجمعية الوطنية
لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب وما تعيشه من حصار ومنعوتضييق لعقود طويلة من الزمن، هذا فقط لكونها اختارت
أن تواجه السياسات اللاديمقراطية المناوئة للسواد الأعظم من فئات الشعب المغربي، التي كان من بين نتائجها إقصاء
وحرمان الشباب خريجي الجامعات من الولوج إلى مناصبالشغل، وهو ما يسري ضد مجموعة من الشباب والأطر المنتسبة
للتنظيمات السياسية والحقوقية، لا لشيء سوى أنهم اختاروا التعبير عن رفضهم للاختيارات السياسية والاجتماعية للدولة،
التي غالبا ما تلجأ إلى أسلوب الترهيب والمتابعة والاعتقال في حق كل شاب أو شابة له رأي معارض.
الدفاع عن الحقوق الكونية للشباب
وفي هذا السياق حافظت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بشكل دوري، على تخليد هذا اليوم الدولي ايمانا منها
بأهمية العمل الحقوقي الشبابي، الذي يعد أحد أهم محاور اشتغالها، في انسجام تام مع شعارها المركزي مستقبل حقوق
الإنسان بيد الشباب. لهذا، فإنها وهي تجدد تأكيدها على أهمية مساهمة الشباب، بإمكانياته الفعالة والخلاقة، في ترسيخ
مبادئ التضامن والسلم العالميين، وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي للشعوب، والدفاع عن الحقوق
الكونية للشباب، إذ تعبر عن اعتزازها بالمجهودات التي تبذلها فروعها من أجل نشر قيم وثقافة حقوق الإنسان وسط
الشباب، عن طريق برامج التكوين التي دأبت الجمعية على تنفيذها، سواء وطنيا أو محليا، تعلن على أنها:
تحيي عاليا نضالات الشبيبة العالمية الديمقراطية والتقدمية المناهضة للرأسمالية المتوحشة، والداعية للحرية
والعدالة والسلم والتضامن العالميين والمعادية للإمبريالية والصهيونية؛
تثمن عاليا نضالات حركة الشبيبة المغربية؛ من تلاميذ وطلبة ومعطلين وفنانين ومثقفين، والنضالات النقابية للعمال
والمأجورين، من أجل الكرامة والحرية والمساواة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وتجدد تضامنها
معهم في مساعيهم للدفاع عن سائر مطالبهم المشروعة، وإقرار حقوقهم الإنسانية في أبعادها الكونية والشمولية؛
تطالب الدولة بالإفراج الفوري عن جميع الشباب معتقلي الرأي والتعبير بالمغرب، ووقف المتابعات القضائية
المبنية على خلفيات سياسية ونضالية؛
تدعو الدولة المغربية إلى احترام وضمان كافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية
للشباب، انسجاما مع التزاماتها الدولية ووفاء منها لتصديقها على المواثيق الدولية؛
تستنكر الحصار الممنهج على الشباب المغربي المناضل، من خلال فرزهم أمنيا واقصائهم من الولوج إلى الوظيفة
العمومية، بسبب انتماءاتهم الفكرية والسياسية والحقوقية؛
تجدد التأكيد على ضرورة اشراك الشباب في صنع السياسات العمومية بشكل فعلي، بما يضمن مساهمتهم في بناء
مجتمع ديمقراطي، عادل، متساو خال من كل أشكال التمييز والقمع.
الرباط في 22 غشت 2025