“النسبية”
كل المؤشرات تفيد أن الجيش الامريكي يتأهب لغزو فنزويلا في وقت يعرف البلد أزمة طاحنة على المستويات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية.
ولاحظ كافة المراقبين الدوليين ومعهم وسائل الإعلام ارتفاع منسوب التحرشات الصادرة من قبل قادة الولايات المتحدة ضد نظام فنزويلا الدي هددوا رئيسه، “نيكولاس مادورو”، بالتدخل بعد أن وزعوا إعلانا بتقديم 50 ألف دولار لمن يستطع اعتقاله وتقديمه للمحاكم الأمريكية.
مخاوف وتوقعات لدي الشعب الفنزويلي
ووفقا لمختلف وسائل الإعلام، فإن المحاولات الأخيرة للجيش الأمريكي لدخول البلاد، أثارت مخاوف وتوقعات لدى الشعب الفنزويلي، فيما تبرر الولايات المتحدة هذا التدخل العسكري، من وجهة نظرها، بأنه “استجابة ضرورية للأزمة الإنسانية وعدم الاستقرار السياسي”، وهو ما يعزز فكرتها التي روجتها باستمرار، أن تدخلها قد يسهل استعادة النظام والديمقراطية في هذه الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية.
وكل هده المبررات اعتبرتها حكومة فنزويلا واهية وأن الغرض من التدخل في فنزويلا هو من أجل غزوها بهدف السيطرة على ثروتها النفطية.
انتهاك لسيادة البلاد
ووصفت المصادر الإعلامية انهيار الاقتصاد الفنزويلي، بأنه جاء نتيجة سنوات من سوء الإدارة وانخفاض أسعار النفط، إلى نقص في الغذاء والدواء والخدمات الأساسية. وكانت الأزمة الإنسانية الناجمة عن ذلك عاملاً رئيسياً حفز الولايات المتحدة على استثماره للتفكير في غزو فنزويلا.
ومند سنوات، تجادل الحكومة الأمريكية بأن استخدام القوة هو الملاذ الأخير لحماية المواطنين الفنزويليين الذين يعانون. ومع ذلك، فقد تعرّض هذا النهج لانتقادات من الحكومة الفنزويلية والعديد من الجهات الدولية الفاعلة، التي فسرت هذه الإجراءات على أنها انتهاك لسيادة البلاد ومحاولة للاستيلاء على مواردها الطبيعية.
عدم شرعية التدخل الأمريكي
و قد تباينت ردود فعل المجتمع الدولي في ضوء الأزمة السياسية الداخلية التي تعانيها فنزويلا. ففي الوقت التي أيدت بعض الدول، وخاصة تلك المتحالفة مع الولايات المتحدة، موافقتها على التدخل العسكري كوسيلة لحماية “المصالح الديمقراطية” ومنع المزيد من تدهور الأقتصادي، أعربت في المقابل، العديد من دول المنطقة والمنظمات الدولية عن رفضها ودعت إلى حلول دبلوماسية وسلمية للأزمة في فنزويلا.
ويضيف هذا الاستياء العالمي مزيدًا من التعقيد إلى الوضع الراهن، حيث تُناقش عدم شرعية التدخل الأمريكي في ظل الحاجة الملحة للمساعدات الإنسانية والتغيير السياسي في البلاد.
أهداف الحكومة الأمريكية في فنزويلا
ودائما حسب مختلف المصادلر الإعلامية، يتجاوز اهتمام الحكومة الأمريكية بفنزويلا مجرد العلاقات الدبلوماسية والتجارية، ويستند إلى سلسلة من الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية. من بين هذه الأهداف الوصول إلى الموارد الطبيعية الوفيرة للدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية، وخاصة النفط، الأمر الذي أثار اهتمام دول مختلفة.
وتجدر الإشارة إلى أن فنزويلا تمتلك أحد أكبر احتياطيات النفط في العالم، مما يعزز جاذبيتها العالمية، لا سيما في ظلّ اعتمادها على الولايات المتحدة في مجال الطاقة، والذي لا يزال يشكل قضية حاسمة. إن السيطرة على هذه الاحتياطيات أو التأثير عليها يمكن الولايات المتحدة من ضمان إمدادات طاقة مستقرة وآمنة.
أهداف الحكومة الأمريكية في فنزويلا
وبالإضافة إلى المصالح الاقتصادية، تعتبر المصادر الإعلامية، أن مكافحة تهريب المخدرات تعد ركيزة أساسية أخرى في سياسة الولايات المتحدة تجاه فنزويلا، حيث صنفتها كنقطة عبور رئيسية للمخدرات إلى أسواقها الداخلية، مما دفع الولايات المتحدة إلى التدخل في إدارتها الداخلية. فمنذ إدارة جورج بوش الابن وحتى الإدارة الحالية، طبقت سياسات وعقوبات تهدف إلى إضعاف البنية التحتية لتهريب المخدرات في البلاد.
من ناحية أخرى، يلعب النفوذ الجيو-سياسي دورًا حاسمًا في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه فنزويلا. فقد كانت هذه الدولة موضع خلافات سياسية خلال الحرب الباردة، وتمثل اليوم خطًا فاصلًا بين نفوذ الولايات المتحدة ونفوذ الدول المنافسة لها مثل روسيا والصين. ومن شأن ترسيخ حكومة تتماشى مع المصالح الأمريكية أن يساعد في احتواء هذه الجهات الفاعلة في المنطقة، وبالتالي، يمكن تفسير أهداف الحكومة الأمريكية في فنزويلا كجزء من عقيدة أوسع في السياسة الخارجية تسعى إلى الحفاظ على هيمنتها في عالم متعدد الأقطاب.
الاتهامات الموجهة إلى مادورو وعلاقتها بتجارة المخدرات
وسلطت مؤخرا وسائل الإعلام اللاتينية الضوء على الاتهامات الأمريكية الموجهة إلى نيكولاس مادورو ونظامه، لا سيما في سياق تجارة المخدرات. وعلى وجه الخصوص، برزت المنظمة الإجرامية، وهي تنشط في المكسيك، والمعروفة بتجارتها للمخدرات باسم “سوليس” كنقطة محورية في هذه الاتهامات، حيث تقول الحكومة الأمريكيو والرئيس ترامب نفسه، إنها تعمل بتواطؤ من مسؤولين حكوميين فنزويليين رفيعي المستوى، وأنهم يسهلون أنشطتها غير المشروعة.
أمريكا تتهم مادورو بأنه زعيم عصابة تتاجر بالمخدرات
وكتبت تقارير أمريكية عديدة تتحدث عن الصلات بين مادورو وتجارة المخدرات، و بأن أفرادًا من الجيش وقوات الأمن الفنزويلية متورطون في حماية طرق التهريب، مما يسمح للمخدرات بمغادرة البلاد مع إفلات نسبي من العقاب.
وقد دعمت هذه الادعاءات تحقيقات أجرتها مؤسسات دولية، أشارت حتى إلى مادورو واصفة إياه ك “زعيم محتمل لهذه الشبكة الإجرامية”. وقد رددت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية هذه المخاوف، واصفةً نظام مادورو بأنه “هيكل فاسد اكتسب فيه تهريب المخدرات أرضية، وفي كثير من الحالات يغذي أنشطته بموارد الدولة”.
وأمام هذه الاتهامات، ردّت الحكومة الفنزويلية بازدراء، نافيةً بشكل قاطع أي صلات لها بالجماعات الإجرامية. ووصفت السلطات هذه الاتهامات بأنها جزء من حملة تضليل إعلامي يدبرها أعداء سياسيون واقتصاديون، مما أوجد رواية مفادها أن التدخل الأمريكي يسعى لتبرير أي عمل عسكري في البلاد. بهذه الطريقة، واعتبر نظام مادورو في تصويره اتهامات الاتجار بالمخدرات كأداة حرب نفسية وذريعة لزعزعة سيادة فنزويلا.
الصراع بين مادورو والحكومة الأمريكية
مع تزايد شدة العقوبات، وخاصة بعد عام 2017، تبنت الحكومة الأمريكية موقفًا أكثر تصادمية، متهمةً مادورو بأنه ديكتاتور يقوض الديمقراطية. وقد استخدمت الإدارة الأمريكية هذه الرواية لتبرير تدخلاتها، وتقديم الدعم للمعارضة الفنزويلية، والسعي لتغيير النظام. لم تقتصر سياسات الولايات المتحدة على العقوبات الاقتصادية فحسب، بل ركزت أيضًا على تقوية المعارضة السياسية، مما أدى إلى تصاعد التوترات وإيجاد جو من انعدام الثقة بين الحكومتين.
العقوبات والإجراءات الانتقامية
ولا تقتصر آثار هذا الصراع على المجال السياسي فحسب؛ إذ يواجه الشعب الفنزويلي عواقب هذه المواجهة. وتتفاقم الأزمة الإنسانية التي أثرت على ملايين الأشخاص في البلاد مع كل جولة من العقوبات والإجراءات الانتقامية. وتدهور الوضع الاقتصادي أكثر، مما أدى إلى هجرة غير مسبوقة للفنزويليين إلى دول أخرى. ومع استمرار الحرب الكلامية، تبدو إمكانية التوصل إلى تفاهم بين الجانبين بعيدة، مما يثير تساؤلات حول مستقبل فنزويلا وشعبها في سياق صراع لا يبدو أنه سيحل قريبًا.
وعكس العلاقة الراهنة المتوترة بين مادورو والحكومة الأمريكية صراعًا في المصالح عمّق الأزمة في الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية، تاركًا المواطنين في وضع حرج ومقلق للغاية مع تفاقم وتدهور ظروفهم المعيشية.