كشف تقرير عن انتهاكات حقوق الإنسان في موريتانيا بتواطؤ من إسبانيا والاتحاد الأوروبي.
التقرير كما نشرته بعض الصحف الإسبانية، انجزته منظمة “هيومن رايتس ووتش” ركوت فيه على سياسة تهريب الحدود الممولة من الاتحاد الأوروبي في موريتانيا، وتُحلل تأثير هذه السياسة على حقوق المهاجرين.
وافادت المصادر الإعلامية أنه تم في 24 غشت إنقاذ زورق موريتاني قبالة سواحل جزر الكناري. مشيرة إلى أن عبور المحيط الأطلسي كان أخطر عائق في طريق الهجرة بالنسبة لركابه البالغ عددهم 236 شخصا. قبل ذلك، كان عليهم الهروب من مطاردة الشرطة، والنجاة من الاستجوابات، والتعذيب، والاعتداء الجنسي.
الآليات البيروقراطية المعقدة
اوضحت المصادر نفس المصادر أن الركاب بعد اعتقالهم اضطروا إلى الهروب من مراكز الاحتجاز، ودفع الابتزاز، وتجنب الإعادة القسرية. وقد موّل الاتحاد الأوروبي وإسبانيا العديد من هذه الآليات. وقد ساهمت جميعها، بدرجة أو بأخرى، في تشكيل رحلة الهجرة لمن يحاولون الوصول إلى أوروبا.
وتشهد على ذلك قصص أولئك الركاب التي تضمنها تقرير “هيومان رايتس”، اطلعت عليه العديد من الصحف ضمنها صحيفة بوبليكو الرقمية. حيث يؤكد التقرير إن “الحواجز التي أُقيمت بين من يغادرون مالي والسنغال وموريتانيا للوصول إلى الأراضي الأوروبية، قد أنشأتها الدول السبع والعشرون من خلال الآليات البيروقراطية المعقدة والغامضة التي تُشكل سياسات تهريب الحدود”.
التحديات التي تشكلها ظاهرة الهجرة الافريقية
و يعلق تقرير “هيومان رايتس” قائلا: “هذه هي الاستراتيجية الرائدة للاتحاد الأوروبي لتجنب مواجهة التحديات التي تشكلها ظاهرة الهجرة الأفريقية في أوروبا. هذا النموذج ليس جديدًا”.
وكما أشارت منظمات أخرى مثل مؤسسة “بوركوسا” لسنوات، كانت إسبانيا رائدة في تطبيق هذه السياسات.
ومن خلال 223 مقابلة مع طالبي لجوء، وأشخاص في طريق الهجرة، ومسؤولين موريتانيين وإسبان، وخفر سواحل، وأقارب ضحايا التعذيب والاحتجاز والإساءة، تمكنت “هيومان رايتس” من تسليط الضوء على “تأثير تدويل الحدود على حقوق المهاجرين وكرامتهم. كما أثر على جودة الديمقراطية في موريتانيا، إحدى الدول التي تتلقى أكبر قدر من التمويل من هذه الاستراتيجية”.
و بحسب التقرير، يعتمد تدفق الأشخاص على هذا الطريق على حالة العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، و”خاصة مع إسبانيا. كلما زادت متانة اتفاقيات التعاون على جانبي المضيق، أي كلما زادت التمويلات والمساعدات الدبلوماسية التي تتلقاها الرباط لإدارة الحدود، زاد الجهد الذي تبذله في ضبط الهجرة المتجهة إلى إسبانيا، وازداد تدفق الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر المحيط الأطلسي”.
كيف تقوض هذه الاستراتيجية حقوق الإنسان للمهاجرين
ووفقا للتقرير كما نشرته ” صحف إسبانية: أدى تنازل المغرب عن سيادته على حدوده الأوروبية والإسبانية إلى أزمات دبلوماسية وإنسانية عديدة. ورغم ذلك، قرر الاتحاد الأوروبي تكرار هذه الاستراتيجية في موريتانيا. والدليل على ذلك الزيارة المشتركة لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز (الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني) ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دي لاين إلى الدولة الأفريقية مطلع عام 2024. وخلال هذه الزيارة، وعد القادة الأوروبيون الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني بنحو 500 مليون يورو للحد من الهجرة والاستثمار في الطاقة المتجددة.
وأضاف التقرير أن هذه ليست أول حزمة استثمارية في هذا البلد الواقع جنوب الصحراء الكبرى، حيث ترى “هيومان رايتس” في تحليلها كيف تقوض هذه الاستراتيجية حقوق الإنسان للمهاجرين وتُساهم في فساد موظفي الدولة الموريتانية.
الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان
وقد أكدت محكمة مراجعي حسابات الاتحاد الأوروبي هذا الأمر عام 2024: آلية تمويل التعاون الدولي – التي تُعدّ، وفقًا لمنظمة “هيومان رايتس”: “من أكثر الآليات استخدامًا في مراقبة الهجرة – لا تقدم دائما تفاصيل عن الغرض من المخصصات. وبالتالي، فإن الغرض من هذه الاستثمارات يفلت من التدقيق البرلماني، من بين مؤشرات أخرى على انعدام الشفافية. آليات التمويل هي في المقام الأول صندوق الاتحاد الأوروبي الاستئماني لأفريقيا ، الذي حول عام 2021 إلى آلية للجوار والتنمية والتعاون الدولي.
وخلص تقرير المنظمة الحقوقية إلى إن “الجمع بين انعدام الشفافية، وضعف احترام حقوق الإنسان، والمطالبة الأوروبية بأن يكون حلفاؤها الأفارقة بمثابة “دول عازلة”، قد شجع موريتانيا على تطبيق ضوابط الهجرة القائمة على “الردع والقمع”. ومن الأمثلة على ذلك الاعتقالات غير القانونية العديدة وعمليات الطرد الجماعي الموثقة في تقرير “هيومان رايتس”. في مايو”، فيما أكدت منظمة “لايتهاوس ريبورتس” استخدام أموال ومواد أوروبية وإسبانية لوقف الهجرة في موريتانيا للتخلي عن المهاجرين – غالبًا دون طعام أو ماء – في المناطق الصحراوية على طول الحدود مع مالي”.
كما أن استخدام ضباط الشرطة الموريتانيين كحرس حدود يُثير حالات فساد. كما كشف تحقيق أجرته صحيفة “إل باييس”، في نهاية عام 2024، حيث أُلقي القبض على 11 عنصرًا من الشرطة الموريتانية لمطالبتهم برشاوى من المهاجرين العابرين للحدود. وكانت الصفقة كالتالي: مقابل رسوم رمزية، يُفرج الوكلاء عن الأشخاص العابرين على الحدود مع مالي، كما يفعلون عادةً.
تتبع مسار الأموال نحو التعتيم
و يقدر التقرير أن حساب التكلفة الإجمالية لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي لتوسيع نطاق السيطرة على الحدود يعد مهمة شبه مستحيلة. وقد توصلت “هيومان رايتس” إلى تقدير تقريبي من خلال تجميع ميزانيات آليات التعاون، مثل صندوق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب الدي من خلاله، موّلت دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون، منذ عام 2016، تسعة مشاريع تعاون في موريتانيا بقيمة إجمالية بلغت 81 مليون يورو. ركّزت ثلاثة منها، بقيمة 36 مليون يورو، بشكل صريح على مراقبة الحدود والهجرة.
وإلى جانب دول أخرى، تلقت موريتانيا أيضًا استثمارات من 21 برنامجًا إقليميًا أو متعدد الجنسيات تابعًا للاتحاد الأوروبي. وتبلغ قيمتها الإجمالية 630 مليون يورو حسب تشير إليه المنظمة غير الحكومية، التي اوضحت أن عدم وجود ميزانيات مفصلة يجعل من المستحيل معرفة النسبة المئوية من هذا المبلغ التي أُودعته في نهاية المطاف في الخزينة الموريتانية. ومع ذلك، يمكن معرفة أن ربع هذه الأموال خصصت لثمانية مشاريع أمنية في موريتانيا، وكذلك في دول أخرى. وكان من بين أهداف هذه الأموال مراقبة الهجرة و الحدود.
وأضافت في تقريرها أن آلية تمويل خارجية أوروبية أخرى، عملت على تخصيص ما يقارب 237 مليون يورو لموريتانيا بين عامي 2021 و2024، بما في ذلك مشروعان لمكافحة الهجرة. ومرة أخرى، لاحظت “هيومن رايتس” نقصًا في المعلومات المتعلقة بالاستخدام المحدد للأموال المخصصة لبعض هذه المشاريع.
وفي حالات أخرى، اتخذت مساعدات الاتحاد الأوروبي لموريتانيا شكل تكنولوجيا المعلومات والمركبات وغيرها من البنى التحتية التي من شأنها، حسب تعبير الاتحاد الأوروبي، تعزيز “الحوكمة” في هذا البلد الأفريقي. ومن الأمثلة على ذلك 15,439 قطعة من “المعدات” التي قدمها صندوق الاتحاد الأوروبي الاستئماني إلى نواكشوط عام 2023. ولا توجد معلومات رسمية عن مصير هذه المعدات، على الرغم من أن مسؤولا قابلته “هيومن رايتس” يدعي أنه سلم إلى الشرطة الموريتانية بهدف تعزيز مكافحة الهجرة.
إسبانيا مختبر الاستعانة بمصادر خارجية
وبالاضافة إلى دلك، يشير التقرير إلى ان الاستثمارات الأوروبية في موريتانيا تسير وفق خارطة الطريق التي وضعتها إسبانيا على مدى عقدين من الزمن. كانت حكومة خوسيه ماريا أثنار (حزب الشعب) قد وضعت أولى خطوات هذه العلاقة عندما وقّعت اتفاقية بشأنها عام 2003، سمحت لإسبانيا بترحيل مواطني دول ثالثة إلى موريتانيا، ممن يفترض أنهم مروا عبر البلاد في طريق هجرتهم إلى إسبانيا.
يعد ترحيل المهاجرين إلى دول ثالثة ممارسة شائعةً في أوروبا حاليًا. ومن الأمثلة على ذلك عمليات الإعادة القسرية أو الرحلات الجوية القانونية للمهاجرين إلى تركيا، وهي دولة عبور للقادمين إلى أوروبا من الشرق الأوسط. وقد أُثيرت إمكانية نقل طالبي اللجوء في أوروبا إلى رواندا في مناسبات عديدة. ورغم عدم تطبيق هذا النموذج بعد، إلا أن له بالفعل نسخته الإيطالية الخاصة. وتحاول رئيسة وزراء الدولة المتوسطية، جورجيا ميلوني، اليمينية المتطرفة، منذ عام تنفيذ خطتها لنقل طالبي اللجوء المقيمين في بلدها إلى مراكز احتجاز في ألبانيا. وقد عارض القضاء الإيطالي هذا الأمر مرارا وتكرارا.
مسجونون نددوا بالانتهاكات المرتكبة
فيما يتعلق بإسبانيا، كانت الخطوة التالية التي اتخذتها مدريد في بناء دبلوماسيتها المناهضة للهجرة هي التعاون مع الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي الدولي لتمويل أول مركز احتجاز للمهاجرين في نواذيبو (موريتانيا) عام 2006. وقد ندد العديد من المسجونين في هذا المركز بظروف المعيشة المزرية والانتهاكات المرتكبة داخل هذا النوع من السجون، كما ذكرت منظمة “هيومان رايتس” بوضوح في تقريرها.
وفضلا عن ذلك، سلمت إسبانيا في عام 2018 ما يقارب 680 ألف يورو من معدات مراقبة الهجرة إلى موريتانيا والسنغال. وفي أعقاب ذلك، أُلقي القبض على حوالي 100 من أفراد قوات الأمن الإسبانية.