“النسبية”
تتواصل الأوضاع في فنزويلا على درجة كبيرة من التوتر والقلق نتيجة تكثيف القوات الأمريكية حصارها في مياه الكاريبي قبالة شواطئ فنزويلا بأمر تنفيذي من الرئيس دونالد ترامب الدي اعلن بموجبه قراره بالتدخل عسكريا في الأراضي الفنزويلية بهدف اعتقال الرئيس نيكولاس مادورو ووزير دفاعه بادرينو لوبيث ووزير الداخلية ديوسدادو كابايو ونائبته ديلسي رودريغيث.
وبات واضحا إصرار الرئيس ترامب المتكرر نيته اعتقال مادورو ورفاقه لمحاكمتهم في إحدى المحاكم بمدينة نيويورك كما أكد وزير خارجيته ماركو روبيو.
و على هدا الأساس لجأ إلى عسكرة شاملة لمنطقة الكاريبي وكل مساحاتها المائية بوسائل عسكرية ضخمة من بوارج وسفن وغواصات وطائرات حديثة الصنع وفق تقنيات جد متطورة.
و يثير قيام رئيس الولايات المتحدة بغزو فنزويلا وشن حرب عليها امتعاض بعض الدول لأنه تدخل ينتهك القانون الدولي كما صرح مؤخرا أمين عام الامم المتحدة غوتييرس.
وكان أول ما فعلته القوات الأمريكية وهي تستعد لانتهاك سيادة فنزويلا هو قتل 11 شخصا بواسطة صاروخ كانوا على متن قارب قال ترامب أنه كان يحمل مخدرات من فنزويلا لنقلها إلى الشمال الامريكي زاعما أن الأشخاص المستهدفين ينتمون لعصابة “تران دي أراغوا”.
التهم المزعومة التي على أساسها أراد ترامب تنفيد قراره هي الزعم بأن مادورو ورفاقه المشار إلى أسمائهم “يتزعمون عصابة تتاجر في المخدرات”. أحيانا يقول ترامب وأعضاء في حكومته أن الامر يتعلق بعصابة “تران دي أراغوا”، وأحيانا أخرى يقولون بأن الأمر يتعلق بعصابة “كارتيل دي صوليس”، وهي مزاعم كانت ترددها رموز المعارضة بما فيها زعيمتها ماريا كورينا ماتشادو.
ورد مادورو وحكومته على تلك التهم بالنفي القاطع لها معتبرا إياها مجرد تلفيقات، وبأن الولايات المتحدة تخطط لقلب نظامه السياسي والاستحواذ على الثروة النفطية وغزو فنزويلا.
وأعلن مادورو جاهزية قواته لمواجهة القوات الأمريكية بلغة يؤكد فيها أنهم سينتصرون على القوات الإمبريالية وسيمنعونها من تحقيق أهدافها، ودعا المواطنين الفنزويليين للتسجيل والتطوع للاقتتال إلى جانب قوات الجيش الفنزويلي ضد القوات الامريكية، حيث أكدت سلطاته أن “8 ملايين شخص استجابوا لدعوة مادورو”، فيما كذبت المعارضة الليبيرالية كلام سلطة النظام قائلة أن “الفنزويليين لا يثقون في نظام مادورو الديكتاتوري الدي سرق منهم نتائج الانتخابات ليوم 28 يوليو 2024 التي فاز بها مرشح المعارضة”.
فنزويلا تمر من ظرفية عصيبة
في هده الظرفية العصيبة التي تتحرش فيها القوات الامريكية بفنزويلا، يفاجئ مادورو الرأي العام في الداخل والخارج بإعلانه تغيير تاريخ عيد ميلاد “نويل” ليصبح فاتح أكتوبر بدل 25 دجنبر، وهو قرار اعتبرته، العديد من وسائل الإعلام اللاتينية، مثيرا للدهشة، حيث سيتم تقديم موعد احتفالات عيد الميلاد إلى الأول من أكتوبر.
وما جعل هذا التصريح يثير حيرةً لدى الكثيرين، هو أن فنزويلا تواجه أزمةً متعددة الجوانب، بما في ذلك أزمة اقتصادية واجتماعية حادة. ويمكن تفسير هذا التوقع لهذه الاحتفالات على أنه محاولةٌ لصرف انتباه الشعب عن المشاكل الخطيرة التي تواجه البلاد، مما يوحي باستغلال رمزيٍ للفرح والاحتفال في خضم الشدائد.
واستنتجت مصادر بأن يكون هذا التصريح بمثابة “استراتيجيةً لتعزيز ولاء أتباعه من خلال منحهم وهمًا بالعودة إلى الحياة الطبيعية والاحتفال، على الرغم من الواقع القاسي الذي يعيشونه يوميًا. في أوقات التوتر والصراع، تلعب الرمزية دورا حاسمًا في التصور العام، ويبدو أن هذا هو جوهر أجندة مادورو”.
لا يمكن للبلد أن تواجه الإمبريالية وهي منقسمة
وفيما يثير زحف القوات العسكرية الأمريكية نحو فنزويلا لغزوها قلق المجتمع الدولي، وخاصة في الدول المجاورة مثل البرازيل و كولومبيا. أدلى الرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بيترو قبل يومين بتصريحات موجهة إلى مادورو يطالبه فيها بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين في السجون الفنزويلية، لأنه، في نظره، لا يمكن للبلد أن تواجه حربا مع الولايات المتحدة وهي منقسمة، مركزا على “ضرورة معالجة مشاكل الاحتجاز التعسفي وتسهيل الحوار من أجل المصالحة الوطنية”.
صورة الوضع الراهن معقدة
يكشف الوضع الراهن في فنزويلا، الذي اتسم بتصريحات الرئيس الكولومبي بيترو، وقرار مادورو غير المعتاد، عن صورة معقدة. تُتيح عمليات الإفراج عن السجناء فرصة للحوار، بينما يُمكن اعتبار عطلة عيد الميلاد المبكرة تكتيكًا سياسيًا حسب استنتاجات المصادر التي رأت أنه “لن يؤثر رد الفعل الإقليمي وتطور هذه الأوضاع على فنزويلا فحسب، بل سيؤثر أيضًا على استقرار أمريكا اللاتينية ككل”.
من الضروري مراقبة هذه الأحداث وتداعياتها عن كثب، لأنها قد تُحدد المستقبل السياسي والاجتماعي لفنزويلا وعلاقاتها مع الدول المجاورة. ويجب على المجتمع الدولي أن يظل يقظًا ومستعدًا لتقديم الدعم في البحث عن حل سلمي لهذه الأزمة.