وصلنا بيان صادر عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي للديمقراطية.
ونظرا لأهمية وقيمة البيان و ولليوم العالمي للديمقراطية ننشر نضا البيان فيما يلي:
“تحيي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إلى جانب الحركة الحقوقية والديمقراطية العالمية والمغربية،
الذكرى الثامنة عشرة لليوم الدولي للديمقراطية، الذي يصادف يوم 15 شتنبر من كل عام؛ للتأكيد على أن
الديمقراطية بمفهومها الشامل مترابطة مع حقوق الإنسان الكونية ومع الحق في التنمية، وبأنها تشكل
العمود الفقري للقيم والمبادئ الأساسية للمشترك العالمي؛ وللتشديد على أن حقوق الإنسان والحريات
الأساسية المستندة على الحرية في صنع القرار، والحق في المشاركة السياسية والتداول على السلطة،
ومواجهة كل أشكال الديكتاتورية والسلطوية والانتهاكات، وإقرار السلم العالمي، وضمان الحقوق
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، واحترام حق الشعوب في تملك مصيرها هي؛ السبيل الوحيد
للاستقرار والتطور المنشودين.
كما أن هذا اليوم مناسبة للوقوف على العناصر والمقومات الأساسية للممارسة الديمقراطية؛ ولتقييم
وضعيتها في ارتباطها الجدلي بحقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار أشار الأمين العام للأمم المتحدة، في رسالته الموجهة إلى المنتظم الدولي، إلى أن
الديمقراطية; تستمد طاقتها من إرادة أفراد الشعب التي يعبرون عنها بأصواتهم واختياراتهم
ومشاركتهم"؛ داعيا الى تجديد الالتزام العالمي بالقيم الديمقراطية التي تستمد قوتها من الناس:" من
أصواتهم، ومن خياراتهم، ومن مشاركتهم في صياغة ملامح مجتمعاتهم. وهي تزدهر حين تُصان
الحقوق، ولا سيما حقوق أولئك الذين يُتركون في العادة خارج دائرة الاهتمام"؛ ومشددا على أن هذه
الجهود باتت أوفر إلحاحا من أي وقت مضى; في زمن تتعرض فيه الديمقراطية وسيادة القانون لهجمات
التضليل والانقسام وتضييق الفضاء المدني;.
والجمعية المغربية لحقوق الانسان وهي تستحضر، من موقعها في الدفاع عن حقوق الإنسان في
ارتباط بالديمقراطية، نضالات الشعوب ومبادئ الديمقراطية، والمساواة، والاندماج، والتضامن، والسلام
والأمن، والسعي لفرض سيادة القانون وتعزيز المشاركة الكاملة في عملية صنع القرار، فإنها تتوقف عند
الأوضاع العامة، وما يطبع تخليد شعوب العالم، هذه السنة، لليوم الدولي للديمقراطية:
دوليا:
تواجه الديمقراطية في العالم أزمة عميقة تتمثل في تراجع جودتها، وزيادة عدد الأنظمة الاستبدادية،
وانعدام الثقة المتزايد في المؤسسات "الديمقراطية"، وضعف المشاركة المدنية؛ هذا فضلاً عن تزايد
النزاعات السياسية والثقافية والاثنية. كما تتجلى هذه الأزمة في تقويض سيادة الشعب في مناطق متعددة،
والحروب والنزاعات المسلحة والحرب الاقتصادية، والسياسات التي تقصي الأقليات، والمهاجرين
وطالبي اللجوء، والتوجه نحو الديمقراطيات التي تمنح الأولوية للسلطوية على حساب الحريات الأساسية.
وتعاني العديد من الديمقراطيات من استقطاب شديد حول قضايا مثل الهجرة والحروب، مما يقوّض
بعض مرتكزاتها، بما فيها مبدأ سيادة الشعب وحقه في تملك مصيره، خاصة مع اتساع الفجوات
الاقتصادية والتكنولوجية والذكاء الاصطناعي. وبهذا اصبحت بعض الديمقراطيات، تعيش منزلقات
خطيرة؛ حيث تُمارس السلطة بشكل لا يتفق مع إرادة الأغلبية الشعبية، مما يدفع إلى فقدان الثقة في
المشاركة السياسية. فتراجع الثقة في الأنظمة الديمقراطية فتح الباب لصعود الأحزاب الشعبوية وتنامي
اليمين المتطرف في دول الشمال وتعمق الاستبداد في العديد من دول الجنوب.
ولقد كشف العدوان الصهيوني على غزة عن الوجه البشع للديمقراطية السائدة حاليا، والانهيار
الأخلاقي للغرب الامبريالي، سواء من خلال قمع المحتجين من مواطنيه، أو التنكر لكل المعايير والاليات
الدولية سواء السياسية أو الحقوقية، وبرز الوجه المكشوف للإمبريالية المبني على تغييب المساواة بين
الشعوب والدول، والعصف بالقانون الدولي سواء العام أو الخاص بحقوق الإنسان والقانون الدولي
الانساني، وتعطيل هياكل الأمم المتحدة، والاليات الاممية المعنية بحقوق الإنسان؛ عبر فرض عقوبات
على كل من تجرأ على المطالبة بتنفيذ المعايير الدولية لحقوق الانسان. ناهيك عن ممارسة العدوان
وانتهاك سيادة العديد من الدولة، كإيران، سوريا، قطر، وشن حروب مدمرة على اليمن ولبنان.
وقد وصل الأمر إلى تشجيع الكيان الصهيوني الفاشي على الاعتداء على الحركات السلمية المطالبة برفع الحصار
المفروض عن غزة وضمان إيصال المساعدات الانسانية اليها، وذلك من خلال اعتراض السفن في المياه
الدولية واعتقال النشطاء السلميين، أو عبر الاعتداء بواسطة المسيرات على اسطول الحرية في ميناء
بوسعيد بتونس حتى قبل انطلاقه.
ورغم الصعوبات وبسبب هذه الأزمات، فقد عمت العالم حركات احتجاجية طالبت بوقف العدوان وكل
جرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية الممارسة من طرف الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني،
واحتجاجات ضد العنصرية والكراهية، والحروب وأخرى مطالبة بتحسين ظروف العيش ووضع حد
لغلاء المعيشة. ومع أنه تمت مواجهتها بالعنف والاعتداءات على المتظاهرين، فقد حققت جزءا من
مطالبها؛ فيما ساعدت دينامية الحركة الحقوقية والديمقراطية العالمية على وقف النكوص الجاري في
مجال احترام حقوق الإنسان.
وبصرف النظر عن التطور المعياري للمنظومة الحقوقية الدولية، والربط بين الديمقراطية وحقوق
الإنسان في الخطابات، والمنتج الاتفاقي والسياسي المعلن من طرف الأمم المتحدة وقرارات المفوضية
السامية لحقوق الإنسان؛ فإن الانشغال الحقيقي الأكبر بالنسبة للقوى الديمقراطية العالمية يبقى، من جهة
في كيفية الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية وما تحقق في مجال حماية حقوق الإنسان بمختلف أجيالها،
وتحصينها.
وطنيا:
تنامي وتعمق السلطوية، واستمرار فرض القيود على الحريات الأساسية، وفي طليعتها حرية الرأي
والتعبير، والحق في التنظيم وتأسيس الجمعيات، والتحكم في الفضاء العام والسعي لإغلاق مواقع
التواصل الاجتماعية والتحكم فيه عبر الرقابة المتشددة، وخنق الصحافة المستقلة، وتقوية صحافة التشهير
واحتضانها وتمتيعها بكل الامكانيات المادية ومستلزمات الانتشار والاستمرارية. وأصبح اللجوء إلى
أساليب القمع معطى قائما ومزمنا، وأضحت المحاكمات المبنية على تهم المس بالمؤسسات الدستورية،
وإهانة موظفين عموميين اثناء مزاولتهم لمهامهم، والمس بهيبة هيئات ينظمها القانون وبالدين الاسلامي
أو ازدراء الأديان تنتشر بسرعة في غياب محاكمات عادلة. وبهذا يتواصل مسلسل الاعتقال السياسي،
وتتناسل المتابعات والاستدعاءات الكثيرة للمدافعين عن حقوق الإنسان ولكل الأصوات المنتقدة للسلطة.
كل هذا يتم ويترافق مع وضع تشريعات وقوانين تحد من فاعلية المجتمع المدني وتقيد أكثر مجال
الصحافة، وتجهز على الحق في ممارسة الاضراب. ومن ضمن هذه القوانين التي تعمق انكار ممارسة
الحقوق، وتغيب شروط العدل والانصاف، التي تم تمريرها: قانون المسطرة المدنية، قانون المسطرة
الجنائية، القانون التنظيمي لممارسة الحق في الاضراب، القانون المتعلق بالإعلام.
الشروع في الاعداد للانتخابات المقبلة بنفس المنهجية ونفس الثوابت، تحت إشراف وزارة الداخلية
الضليعة في الفساد الانتخابي وصناعة المؤسسات على المقاس، هذه المؤسسات التي أصبحت وكرا للفساد
الاقتصادي والسياسي. فعدد البرلمانيين المعتقلين والمتابعين، ناهيك عن المتابعات والاقالات في صفوف
العديد من المنتخبين محليا وجهويا، كفيل بتبان أزمة الديمقراطية الهجينة. كما أن الاستعدادات للانتخابات
يتحكم فيها هاجس واحد هو نسبة مشاركة الناخبين، ذلك أن الديمقراطية المخزنية المشوهة وصلت إلى
درجة من التفسخ والتحلل جعل المواطن يفقد الثقة فيها.
اتساع دائرة الإجهاز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وما ينتج عن ذلك من
مس بالحق في العيش الكريم، وانتشار الغلاء بشكل فاحش؛ إضافة إلى الصعود الصاروخي لثمن
المحروقات وسيطرة لوبيات عليها، والبروز القوي لتضارب المصالح، وانتشار العطالة والفقر، واتساع
الهوة بين الفئات الاجتماعية، وبين المجالين الحضري والقروي، وسوء تدبير الثروة المائية، في مس بليغ
بحق المواطنات والمواطنين في الاستفادة من الماء.
إن تخليد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لليوم الدولي للديمقراطية، هذه السنة، هو فرصة للتأكيد على
أن مطالبها الملحة المعلنة، والتي تتقاسمها والحركة الديمقراطية والتقدمية؛ والمتمثلة أساسا في الدفاع عن
المعايير الدولية لحقوق الانسان والتصدي لكل الانتكاسات ومحاولات تقويض تلك المعايير الأممية،
واحترام حقوق وحريات المواطنات والمواطنين، وإقرار الديمقراطية الشاملة، وبناء دولة الحق والقانون،
واحترام حقوق الإنسان كما هي منصوص عليها في الصكوك الدولية؛ وهذا ما يتطلب:
1- إقرار دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا، يحترم حق الشعب المغربي في تقرير مصيره على كافة
المستويات، ويقر بكونية وشمولية حقوق الإنسان وبسيادة قيمها الإنسانية؛ وفي مقدمتها المساواة بين
الجنسين، والحرية والكرامة والتضامن والعدالة، ويعترف بسمو المواثيق الدولية على القوانين المحلية
دون قيود أو شروط، ويحقق الفصل الحقيقي بين السلط، ويضمن مبدأ المراقبة الشعبية المساءلة القضائية،
ويفصل بين الدين والدولة؛
2- التصديق على كل المواثيق والعهود الدولية، ورفع كافة التحفظات والإعلانات التفسيرية، وملاءمة
القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، وتنفيذ التوصيات والقرارات الصادرة عن الآليات الأممية التعاقدية
وغير التعاقدية؛3- المراجعة الشاملة لمنظومة القانون الجنائي، وقانون المسطرة الجنائية، والقانون التنظيمي لممارسة
الحق في الإضراب، وقانون الحق في المعلومة وقانون الصحافة والنشر، واعتماد مقاربة تشاركية في كل
مراحل التشريع؛
4- ضمان حق الشعب المغربي في المشاركة السياسية وصياغة ومراقبة السياسات العمومية، وضمان
قاعدة التداول على السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة، مما يتطلب تغييرات جذرية لمنظومتها القانونية،
وتشكيل هيئة مستقلة لمراقبتها والإشراف عليها؛
5- التوطيد الفعلي للقضاء كسلطة مستقلة، تشريعا وممارسة، ووضع حد لتغول النيابة العامة التي
أصبحت آلية للاستبداد والقمع؛
6- إقرار الديمقراطية اللغوية عبر تفعيل الطابع الدستوري للغة الأمازيغية كلغة رسمية، وإدراجها
العملي، في مختلف مناحي الحياة، لاسيما في التعليم والإعلام والإدارات العمومية والقضاء.
كما يطالب المكتب المركزي ب:
7- حماية وتعزيز الحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في الحصول على المعلومات، ووقف كل
المضايقات ضد نشطاء حقوق الإنسان، والصحافيين والمدونين، والطلبة ومناضلي حركة المعطلين،
وجعل حد لأنشطة الرقابة الموجهة ضدهم، وضمان حرية التجمع والتظاهر السلمي، ورفع اليد عن مواقع
التواصل الاجتماعي، وحظر كل أشكال التضييق على النشطاء والمدافعات والمدافعين عن الديمقراطية
وحقوق الإنسان، وضمان حرية النشر والإعلام والصحافة؛
8- إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، وعلى رأسهم نشطاء حراك الريف ومناهضو التطبيع،
ومناضلو الجمعية الوطنية لحاملي الشهادات المعطلين الطلبة وكل معتقلي الرأي والتعبير، ووقف
المتابعات والاستدعاءات التي تستهدف النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والمدونين؛
9- وضع حد لموجات الغلاء والارتفاعات الصاروخية لأثمان المواد الأساسية الضرورية،
وللمحروقات وكل مستلزمات العيش الكريم، بما يتماشى ودخل المواطنات والمواطنين، والتصدي الحازم
للفساد والاحتكار وتضارب المصالح، والرفع من القدرة الشرائية لعموم المواطنين عبر الرفع من الأجور،
وتقوية مجالات الحماية الاجتماعية وتعميمها، وضمان أقصى الموارد لكفالة حق تمتع الجميع، على قدم
المساواة، بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ من صحة وتعليم، ومستوى معيشي كاف، وعمل
لائق، وضمان اجتماعي وتغطية صحية.
وفي الأخير، فإن المكتب المركزي، للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، يغتنم هذه المناسبة ليؤكد على
ضرورة مواصلة النضال الوحدوي ببلادنا، من أجل تحقيق المطالب والأهداف الأساسية للحركة الحقوقية
والديمقراطية، المتمثلة في بناء نظام ديمقراطي يضمن احترام حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها،
ويحقق الكرامة لجميع المواطنات والمواطنين”.
المكتب المركزي:
الرباط، في 15 شتنبر 2025