بقلم: ألفارو راميس أوليفوس*
عندما يظننا منظمو استطلاعات الرأي ساذجين
في النقاشات السياسية المعاصرة، غالبًا ما تُستعمل كلمة “ماركسي” كإهانة. تُستخدم لاستبعاد من يُفترض أنهم يُمثلون تهديدًا للديمقراطية أو الملكية الخاصة أو النظام القائم. ولكن ما معنى أن تكون ماركسيًا اليوم؟ وهل يُنظر إلى هذا المصطلح، عند توجيهه إلى بعض القادة، مثل جانيت جارا، على أنه مجاملة أكثر منه إهانة؟
للإجابة على هذه الأسئلة، يجدر بنا العودة إلى تمييز جوهري في الماركسية نفسها: وهو التمييز بين التيارات الباردة والتيارات الدافئة. هذا التمييز لا يأتي مباشرةً من ماركس، بل من التأمل النقدي في الأشكال التي اتخذتها الماركسية عبر تاريخها.
التيار البارد هو تيار الماركسية الذي يُعطي الأولوية للبنية على الفاعلية، والحسابات الاستراتيجية على العواطف، وقوانين الاقتصاد غير الشخصية على التجارب الملموسة للناس. إنها الماركسية التي تُصوّر نفسها كعلمٍ صارم، تُختزل السياسة في علاقات القوى، والتي، باسم التاريخ أو الصراع الطبقي، تُبرّر الممارسات الاستبدادية والتضحيات البشرية بأنها “حتمية”. هذه هي الصيغة التي يتبادر إلى ذهن العديد من منتقديها عندما يستخدمون كلمة “ماركسية” مرادفًا للدوغمائية أو البرود البيروقراطي.
ولكن هناك أيضًا تيار دافئ، أقلّ شهرةً لدى من يكرّرون الإهانة دون تفكير. إنه التيار الإنساني الذي يسود كتابات ماركس الشاب، المُهتم بالاغتراب والكرامة والتحرر الشامل للإنسان. إنها ماركسية روزا لوكسمبورغ، وغرامشي، ومدرسة فرانكفورت؛ من يُدرك أنه لا يكفي تغيير البنى المادية إذا لم تُغيّر أيضًا العلاقات الاجتماعية والعواطف والثقافات والذات.
عندما يُتّهم بعض القادة المعاصرين بالماركسية، يجب أن نسأل عن أيّ ماركسيةٍ يقصدون. هناك شخصيات تُجسّد التيار البارد: استبدادية، مُدبّرة، مُقتنعة بأن التاريخ يتقدم بالضرورة الموضوعية. لكن هناك أيضًا آخرون مُلهَمون بالتيار الدافئ: يبنون من القاعدة إلى القمة، ويُقدّرون المشاركة، ويناشدون الاحترام والعدالة والكرامة، ولا ينسون أن الثورة لا معنى لها إن لم تُحسّن حياة الناس الملموسة.
ومن هذا المنطلق، يُمكن أن يكون وصف “ماركسي”، على نحوٍ مُتناقض، إطراءً إذا ارتبط بهذا التقليد الثاني. قد يكون علامةً على أنه في عالمٍ يتسم بالتفاوت والإقصاء، هناك من لا يتخلون عن الأمل في اشتراكيةٍ روحية، قادرة على الجمع بين الحرية والمساواة، والبنية والمودة، والعقل والقلب.
السؤال الحقيقي إذن ليس ما إذا كان كونك ماركسيًا أمرًا جيدًا أم سيئًا. بل هو أي نوع من الماركسية نريده ونحتاجه لمواجهة تحديات عصرنا: ماركسية باردة لا إنسانية، أم ماركسية دافئة ملتزمة التزامًا عميقًا بالحياة البشرية بكل ثرائها. في سياقٍ لا تزال فيه اللامساواة والظلم الاجتماعي مشكلتين مُلحّتين، فإنّ مناقشة الماركسية ليست مُهمّة فحسب، بل ضرورية أيضًا. ولعلّه، بدلًا من استخدام المصطلح كإهانة، علينا أن نفكّر في أيّ من هذه التيارات يُمكنه تقديم حلول أكثر إنسانيةً وعدلًا للمشاكل التي نواجهها اليوم.
*كاتب تشيلي
[Opinión] Marxista: ¿Insulto o halago? – Cooperativa.cl