كتب حسان البلعاوي
” سخن طازةً” ، هذه هي الكلمات التي ارسلها قبل قليل، الاخ الصديق المؤرخ حسام ابو النصر ، عبر الواتساب، من المطبعة في رام الله أثناء خروج النسخة الاولى من كتاب مقالات والدي رحمة الله عليه فتحي البلعاوي في الصحافة القطرية في الدوحة منذ اربعين عاما تقريبا.
والأمانة تقتضي القول ان فكرة تجميع هذه المقالات في كتاب واحد هي تحديدا للأخ الكاتب حسام ابو النصر والذي قرن فكرته هذه بالعمل المباشر بإيجاد مطبعة وبشخص يقوم بالطباعة وبكل التفاصيل التقنية حتى صدور الكتاب سخنا طازجا كما يقول، لذا اتوجه له بأصدق مشاعر الشكر والعرفان .
البلعاوي كان يقيم في دولة قطر
على مدار ثلاثة اعوام وقبيل انطلاق الانتفاضة الشعبية الاولى في فلسطين في نهاية عام ١٩٨٧، داوم فتحي البلعاوي والذي كان يقيم في دولة قطر، و يعمل في قطاع التعليم، على كتابة مقال اسبوعي في جريدة ” العرب ” اليومية، وهي جريدة ساهم مع زملاء معلمين وصحفيين عرب في تأسيسها عام ١٩٧٠ غداة استقلال دولة قطر والتي وطأت قدماه هذا البلد العربي الفتي في منطقة الخليج منذ عام ١٩٦٢ .
اذن على مدار ٣ سنوات وحتى وقوع كارثة غزو العراق لدولة الكويت في اغسطس ١٩٩٠، لم يتوقف والدي عن كتابة مقاله الأسبوعي، باستثناء فترة دخوله المستشفى، و كانت مقالاته وان ركزت على الشأن الفلسطيني، الا ان قضايا الامة العربية وبخاصة اللغة العربية، والتي كان يدرسها وله مؤلفات مناهجها المدرسية لكافة الفصول الدراسية، حاضرة بقوة .
فتحي البلعاوي هو من وضع الطالب ياسر عرفات على القائمة المرشحة…
لقد كان والدي، واقول ذلك بفخر و اعتزاز، أحد من وضعوا لبنات الفكر الثوري الفلسطيني المعاصر، القائم على فكرة الوحدة الوطنية الفلسطينية وكان ساهم في ايجاد ارهاصات الثورة الفلسطينية وتحديدا حركة ” فتح ” عبر تجربتين أساسيتين .
الاولى انشاء رابطة الطلاب الفلسطينيين في القاهرة غداة نكبة عام ١٩٤٨ والتي شكلت اول إطار فلسطيني ضم الطلاب الفلسطينيين من كل الاتجاهات السياسية وكان والدي احد المؤسسين واول سكرتير عام لها وحرص فتحي البلعاوي الطالب الشيخ في جامعة الازهر ان تضم الرابطة، كل التيارات السياسية الفلسطينية ، رغم ان التيار الاسلامي الذي كان يقوده والدي هو الذي كان يحصد اعلى الاصوات في الانتخابات .
تجربة تأسيس نقابة المعلمين في قطاع غزة
ولعلي لا اذيع سرا ان قلت ان فتحي البلعاوي هو من وضع الطالب ياسر عرفات على القائمة المرشحة التي كان يقودها شخصيا، للانتخابات الثالثة لرابطة الطلاب ليصبح ياسر عرفات الرئيس الثالث للرابطة وهو امر يعترف به الرئيس الراحل ياسر عرفات في عديد من المداخلات المسجلة صوتا وصورة .
التجربة الثانية وهي مفصلية في تاريخ قطاع غزة ولها صداها اليوم في حرب الابادة والتهجير للشعب الفلسطيني في غزة، هي تجربة تأسيس نقابة المعلمين الفلسطينيين في قطاع غزة و وكالة غوث اللاجئين ( أونروا ) في غزة في منتصف الخمسينيات، وكان والدي المدرس في مخيم البريج ،والذي ابعدته السلطات المصرية من القاهرة قبل شهرين من امتحانات اخر سنة جامعية له ، بسبب نشاطه السياسي ،من مؤسسي هذه النقابة وأول نقيب لها ، ولعلي لا اذيع سرا هنا ان والدي كان من القيادات الشابة الجديدة لجماعة الاخوان المسلمين والتي حصدت أغلبية مقاعد الهيئة الادارية للنقابة، لكن انتماء والدي لفلسطين اولا جعله يقيم تحالفا وثيقا مع قائد الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة الشاعر المعروف الاستاذ معين بسيسو والذي استطاع ان يفوز في انتخابات نقابة المعلمين.
الاخواني فتحي البلعاوي والشيوعي معين بسيسو شكلا ثنائياً فريداً من نوعه ليس فقط في فلسطين، ولكن في المنطقة العربية وقادا نضال نقابة المعلمين مع تيار القوميين العرب في اسقاط اول وأخطر مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية وهي المخطط الامريكي الدولي لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في صحراء سيناء في منتصف الخمسينيات.
“لا توطين ولا إسكان يا عملاء الأمريكان!”
لقد اشعلت نقابة المعلمين بقيادة بسيسو و البلعاوي قطاع غزة كاملا على مدار اسبوعين والذي خرج في مظاهرات حاشدة لرفض مخطط التوطين تحت شعار ” لا توطين ولا أسكان يا عملاء الأمريكان ” وقد اطلق الرئيس عرفات على النقابة ” حكومة التسعة ” لأنها حكمت فعلا عزة واسقطت فعلا مخطط التوطين وتركت هذه التجربة اثرا عميقا وقناعة راسخة لدى جيل كامل من الفلسطينيين وخاصة في غزة بضرورة وجود منظومة جديدة تجمع الفلسطينيين بكل انتماءاتهم الفكرية والسياسية وتكون لها بوصلة واحدة اكبر من الأحزاب وهي فلسطين وان تضع الكفاح المسلح نهجا لهذه المنظومة الوطنية الفلسطينية وهذا ما كان بعد سنوات قليلة في وضع البذرة الاولى لحركة فتح في غزة تحديداً في عام 1957 على يد القادة الشهداء خليل الوزير ” ابو جهاد ” وكمال عدوان وعبد الفتاح حمود وغيرهم من الرعيل الاول المؤسس والذي امتد الى مساحات واسعة في المنطقة العربية.
في مقالات فتحي البلعاوي في الصحافة القطرية نجد اضاءة على محطات مهمة من نضال الشعب الفلسطيني ورموزه، وكثير من هذه المقالات كانت محل جدل في الساحة الفلسطينية ان كان في قطر او في تونس حيث كانت تتواجد القيادة الفلسطينية الرسمية آنذاك.
ياسر عرفات كان يرد على مقالاته المنتقدة له: ” الله يسامحك يا فتحي “
وفي عديد من المقالات نجد نقدا واضحا لبعض المبادرات السياسية، من فتحي البلعاوي لقائده وزميله في العمل الطلابي ياسر عرفات وكان الاخير يكتب عليها حين يقرأها ” الله يسامحك يا فتحي ”
مقالات فتحي البلعاوي وان مضى عليها أربعين عاما، هي رصد لمرحلة هامة من نضال الشعب الفلسطيني وتغدو قراءتها اليوم تمرين مراجعة، وان كانت قاسية احيانا، لمسيرة نضال شعب لأكثر من نصف قرن.
يبقى ان اشكر الاخ القائد الوفي عباس زكي لوضعه تقديم لكتاب هذه المقالات، وللأخ العزيز أسماعيل التلاوي الذي ساهم في اخراج هذا الكتاب الى النور، وللأخ اللواء عرابي كلوب الذي وضع السيرة الذاتية للوالد واخيرا لصديقي الفنان احمد داري والذي قام بتصميم الغلاف الجميل للكتاب.
واخيرا أعلن هنا اني قطعت شوطا كبيرا في انجاز كتاب سيرة فتحي البلعاوي ” ابو الوطنية ” كما كان يحب ان يناديه اصدقائه، والذي سيرى النور قريبا بإذنه تعالى.