صحيفة ” لو سوار ” البلجيكية:
وفقًا لإحصاءات الاتحاد الدولي للصحفيين، أصبحت غزة أسوأ مقبرة للصحفيين في التاريخ المعاصر، إذ قُتل فيها أكثر من 220 مراسلًا على أيدي جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال العامين الماضيين. ويؤكد الاتحاد الدولي للصحفيين (FIJ) عزمه على مواصلة نضاله من أجل اعتماد اتفاقية دولية تحت مظلة الأمم المتحدة تُلزم الدول بحماية الصحفيين ومحاسبة قتلتهم.
شهادة على الحقيقة
كتب أنطوني بلانجيه، الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين:
“لن تكون للتاريخ رحمة إلا مع الشهود.”
في غزة، سيتذكر التاريخ اسم أنس الشريف، الصحفي الشاب في قناة الجزيرة الذي قُتل في 10 أغسطس 2025، إلى جانب 222 صحفيًا وصحفية آخرين اغتالتهم آلة الحرب الإسرائيلية خلال عامين فقط. أما من قرروا تصفيتهم، فسيبقون مدانين إلى الأبد.
منذ ما يقارب العامين، تُعدّ غزة أخطر منطقة في العالم لممارسة مهنة الصحافة. فإسرائيل تمنع دخول المراسلين الأجانب، لتصبح الحقيقة رهينة بأقلام الصحفيين الفلسطينيين، ومعظمهم أعضاء في نقابة الصحفيين الفلسطينيين المنضوية تحت الاتحاد الدولي للصحفيين. هؤلاء يعملون من دون حماية، ومن دون مأوى آمن لعائلاتهم، وغالبًا ما يُستهدفون بشكل مباشر.
مجزرة غير مسبوقة
لم يشهد تاريخ الصحافة مجزرة كتلك التي تحدث في غزة. فمنذ تأسيس الاتحاد الدولي للصحفيين عام 1926، لم يُسجَّل عدد مماثل من الضحايا — لا في الحرب العالمية الثانية، ولا في فيتنام، ولا في سوريا أو العراق.
لقد أصبحت غزة أسوأ مقبرة للصحفيين في التاريخ الحديث.
وهذا ليس نتيجة “أخطاء مأساوية” متكررة، بل سياسة ممنهجة:
قتل الشهود، إغلاق غزة، وخنق الرواية.
منع الصحافة الدولية من الدخول يعني إسكات المراقبين المستقلين. وفي الوقت الذي يعلن فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عزمه على «إعادة استعمار غزة»، يصبح التحكم في السرد الإعلامي أمرًا لا يقل أهمية عن السيطرة على الأرض. فالاستعمار هو أيضًا محاولة لمحو الأنقاض، والأجساد، والناجين، ومن يروون قصصهم.
واقع الحصار والموت
من الحدود الشمالية حتى مدينة غزة، أُجبر مئات الآلاف على الفرار نحو الجنوب، الذي لم يعد ملاذًا آمنًا؛ لا أمن، ولا ممرات خروج. تتكدّس العائلات هناك، عالقة بين البحر والنار.
هذه هي حياة الصحفيين الفلسطينيين أيضًا، يعملون محاصرين داخل جحيم مغلق، حيث البقاء على قيد الحياة أصبح معجزة يومية.
اعتراف متأخر
إن اعتراف عدد متزايد من الدول في الأمم المتحدة بدولة فلسطين يحمل قيمة رمزية كبيرة، لكنه جاء متأخرًا جدًا. فهو لا يحمي الأحياء ولا يعيد العدالة للموتى.
تسير الدبلوماسية ببطء خلف التاريخ، ولكن بعد فوات الأوان.
من واجب العالم حماية الشهود
من يحمي هؤلاء الشهود إذًا؟
لا الأمم المتحدة المشلولة، ولا القوى الكبرى المتواطئة بصمتها وتسليحها لإسرائيل.
الصحفيون الفلسطينيون يواصلون عملهم وحيدين حتى الإنهاك… وحتى الموت.
أما الاتحاد الدولي للصحفيين، فهو يتحرك ميدانيًا، فيُقدّم الدعم المباشر للصحفيين وعائلاتهم من خلال صندوق السلامة الدولي، وينقل للعالم قصص زملائه في الميدان — سامي، وغادة، وآخرين — كي لا تتحول معاناتهم إلى مجرد أرقام. كما يُطالب منذ سنوات الأمم المتحدة باعتماد اتفاقية دولية تُلزم الدول بحماية الصحفيين ومحاسبة قتلتهم.
وطالما أن هذه الاتفاقية غير موجودة، تسود ثقافة الإفلات من العقاب التي تحمي مجرمي الحرب الإسرائيليين.
الصحافة ليست بطولة انتحارية
يذكّر الاتحاد الدولي للصحفيين الصحفيين الحاملين لبطاقة الصحافة الدولية بمبدأ أساسي:
«لا تقرير يستحق حياة إنسان».
ليست هذه عبارة رمزية، بل قاعدة بقاء. فمهمة الصحفي ليست الموت، بل نقل الحقيقة بأمان.
حماية الصحفيين مسؤولية جماعية — كل خوذة، وكل درع واقٍ، وكل تدريب أمني يمكن أن ينقذ حياة.
السؤال المؤلم: لماذا نستمر؟
في غزة، يتساءل كثيرون: «ما الجدوى من الاستمرار؟»
الأدلة كثيرة، والشهادات لا تُحصى، ومع ذلك لا شيء يتغير.
لكن الاستسلام أسوأ من الموت، لأن الصمت يعني انتصار الجلادين الذين سيقولون للعالم إنه «لم يحدث شيء».
غزة.. امتحان الإنسانية
بعد مئة عام على تأسيسه، يواجه الاتحاد الدولي للصحفيين أصعب امتحان في تاريخه.
غزة أصبحت قبر الصحافة
إذا قبلنا أن يُقتل الصحفيون هناك وسط اللامبالاة، فإننا نفتح الباب أمام أنظمة أخرى لتجعل من اغتيال الصحفيين أداة عادية في حروبها القادمة.
أنس الشريف لم يكن يريد أن يموت، بل أن يُخبر العالم بالحقيقة بأمان.
موته، ووفاة 222 من زملائه وزميلاته، تفرض علينا واجبًا أخلاقيًا وإنسانيًا.
إسرائيل تقتل الصحفيين. قتل الصحفيين هو قتل للحقيقة.
وعالم بلا حقيقة هو عالم يحكمه الجلادون دون منازع.
Gaza, le tombeau du journalisme – Le Soir