النسبية
كنت مهووسا بالقطط منذ أن ارتبطت بوجودها قريبة مني عندما كنت أسكن بمدن القصدير بالحي المحمدي (كريان سنطرال)، و أساسا بكريان زرابة ولاحقا بكريان لاحونا. وأتذكر في الكوخ الذي كنت اسكنه في الحي الاخير مع والدتي الحنون المرحومة هنية، كيف كان هذا الكوخ جسرا تعبره مختلف القطط أمام اعيني و أعين والدتي آتية من اسطح براريك الجيران في الجهة اليمنى إلى براريك جيران الجهة اليسرى أو العكس بالعكس وفق مزاج تلك القطط التي كانت تدهشني أشكالها الضخمة و ألوانها المختلفة.
مواء القطط
و كانت تسمح بعبور تلك القطط الكوة في الجهة اليمنى و أخرى في الجهة اليسرى حيث تعبر بهدوء فوق خشبة موصولة تربط بين الكوتين. و هذا العبور كان يترك في انطباعا حول طريقة مشي القطط وموائها التي كنت الاحظ على أنها لم تكن على نغمة واحدة، و بأن كل قط له مواء خاص، أحيانا بعضها يأخذ شكل صراخ طفل؛ و أحيانا أخرى انينه و بكاؤه، حتى كادت توحي لي أن غرابة ما تحيط بمجتمع القطط.
مشية القطط تشبه مشية الأسود
و لسوء حظي (أو حظنا) لم يتجرأ أي من هذه القطط ليستثمر فضاء كوخنا المسكون بالهدوء لكي ترتبط به و تصبح جزءا من حميمية العائلة و حتى تحظى بفرص تناول قوتها بأمان، مع أن انزعاجي الوحيد منها و هو في غيابنا تتجرأ للنزول إلى داخل الكوخ لسرقة ما كانت تحفظه أمي من أكل متبقي. و لكن كنا نجد لها العذر.
فيما يخص طريقة مشيها هي اشبه بالطريقة التي تظهر عليها الأسود في الغابة. و بالطبع هذا التشابه لا علاقة له بافتراض أنها كانت تقلد اعتى الحيوانات المفترسة، فالأمر مجرد صدفة. و لكن الغريب هو أن عدم تجرؤ أي واحد من هذه القطط لكي نستطيع تبنيه و تربيته و الاعتناء به كما كنت أرغب. و هذا الأمر كان يحرمنا من ذلك السحر وتلك الجاذبية التي يوفرهما القط وسط العائلة خصوصا لدى الأطفال الذين يرتبطون به و يستمتعون باللعب معه و بتطعيم براءتهم ببراءة هذا الحيوان الأليف المتحضر و الباعث على السعادة في منازل الكثير من الأسر التي تقدره و تعرف قيمته.
“أريد أن أكون متحضرا مثل الحيوانات”
و إذا كان المغني البرازيلي، روبيرطو كارلوس، يقول في واحدة من أجمل أغانيه: “أريد أن أكون متحضرا مثل الحيوانات”، فإن القط هو أكثرهم تحضرا و استجابة لهواجس الأطفال و الكبار، و له قدرة على التفاعل مع محيط الأسر الذي يتفنن في تحويل منازلها إلى “سيرك” مصغر يمارس فيه انشطته في الركض و القفز و اللعب و صيد الفئران و تنظيفها من الحشرات.
عندما كنت أنجز تحقيقاتي الصحفية حول مشاكل مدن القصدير، كان لا بد لي، و من دون وعي مني او تحضير مسبق، أن استحضر القطط التي كتبت عنها و عن دورها في تلك الحروب الحامية الوطيس التي كانت تندلع فوق سطح براكتنا فيما بينها او تلك التي كانت تشنها من أجل اصطياد فريستها المفضلة: الفئران.
و بمناسبة الحديث عن هذا الحيوان الاليف، سيعمل موقع “النسبية” قريبا على الاهتمام إعلاميا به و التعريف بعالمه الخاص و بمكانته داخل العديد من المجتمعات و بكيفية التعامل معه و فك الكثير من الأسرار التي لم نستطع التعرف عليها حتى الآن حول شخصيته الحيوانية المسالمة في حياته و وجوده الساحرين.