المصطفى روض
أينك أيها الفرح!
طال غياب الفرح. لم نعد نرى له أثر في وجوه الأطفال. الذين تزوجوا مؤخرا هم الآخرون اشتكوا من غيابه. و صيادو السمك هم الآخرون انزعجوا من اختفائه بالمرة، أما أصحاب الحلقة، فلا أحد عاد لمزاولة أنشطته لأن الناس ما عادت تذهب إليهم بحثا عن الفرجة و الضحك. البلد كلها مسكونة بالحزن و الوجوه تهجمت و اكتسحها اليأس من كل ما يجري. الأرقام المعلنة يوميا حول تزايد الحالات من المصابين و المتوفين محليا و عالميا، تسرق الفرح من الجميع. لا هم للغني و للفقير سوى التشبث بأمل مقوس الظهر، و أعرج، يمشي بعكاز مكسور، و هو يبدو شبيها بالوهم.
نعم الأمل بات صنو الوهم، يمشيان جنبا إلى جنب حتى التبست على الناس حقيقة ما يجري في الواقع و أصبح التعب يتربص بهم أينما حلوا و ارتحلوا داخل المربعات المرسومة لهم، و كبرت أحزانهم و تذكروا أن شيئا ينقصهم، شيئا كان يعطيهم مبررا لوجودهم و يعطي لحياتهم معناها و مبناها، إنه الفرح، باتوا يرونه و يحلمون به لكنهم عاجزون عن ممارسته لأنه اختفى،
الفرح غاب بعد ان هاجت الجائحة
لقد حصل لهم مثل جياع مسجونين لا يرون الأكل بكثرة إلا في أحلام اليقظة. هكذا بات الناس يرون الفرح المختفي بأشكال مختلفة رغم أنه لا مرئي و لا يمكن لمسه أو القبض عليه، و حتى أعشاشه الموجودة في روح الإنسان، لا نعرف شكلها و لا حركة الفرح عندما يهم بالطيران انطلاقا منها. كل ما نعرفه هو أن الفرح غاب منذ هاجت الجائعة على البلاد لتقض مضاجع العباد.
آه من زمن الفرح، ليته يعود، لكي نستعيد حيوية ابتسامتنا، و نرى من حولنا الجميلات يبتسمن لتغدو الصباحات مزهوة بالأمل الحقيقي الذي يحفز على ركوب أمواج الحياة. آه، و أنا أتذكر، عندما كان يأتي الفرح إلينا، فهو غالبا ما يأتي مقرونا بحدث عظيم و كبير، كأن تنجح ثورة شعب على ديكتاتور أو استقلاله من استعمار قوة أجنبية أو زواج عريس بعروسة تسكنه الفرح الدائم، أو نجاح في عمل دراسي أو انتصار فريقنا الوطني في مباراة لكرة القدم.. الخ.
لكننا اليوم و الفرح يغادرنا، كيف لنا باستعادته و البحث عن مكان وجوده. آه، كان الفرح عندما يمر قريبا من المنازل، يدخلها لكي يسرق من وجوه الجيران أحزانها و يخرج متخفيا لكي يرميها في حاويات القمامة.
الحمامات تواصل النقر
مرة أخرى وجدت نفسي اتدحرج كالكرة عبر شارع محمد الخامس بالرباط، ولم أجد ما اجفف به ذلك الإحساس النوسطالجي القاتل الذي يذكرني بزمن صحيفة انوال عندما كنت صبيحة كل يوم اتوجه من محطة القطار إلى مقر الجريدة و راسي محمل ببرنامج عملي اليومي، سوى تركيز نظري في الحمامات و هي تقتات من الفتات المرمية في الأرض. رجل تطوع ليرمي لها كمية هائلة من الخبز كان يجهد نفسه لتقطيعه حتى يكون على مقاس منقارها الصغير. الحمامات تتكاثر من حول قطع الخبز و تقتات من دون أن يبدو عليها فرح ما.
دائما كان يحيرني منظر الحمام لأني لم يسبق لي أن رأيته يبتسم و لا متجهم، و هو لا يرقص و لا اعرف ان كان يهمه سماع الموسيقى. الحمام شكله وهدوءه كافيان لكي يجذب أنظار الناس. ظللت اراقبه من خلف زجاج نافذة مقهاي المفضلة حتى بعد أن غادر الرجل الذي قام بواجب اطعامه. ظل يمشي وهو ينجذب للفتات، نقرة هنا و نقرة هناك لعله يشبع. الحمام لا يتعب من النقر على الأرض، و انا لا اتعب من رؤيته بتركيز، و عندما اقترب وقت المغادرة، تركت المقهى، الحمام يواصل النقر و انا اواصل المشي…
عندما كنت صغيرا
عندما كنت صغيرا كنت أعرف انني سأكبر، ولكنني لم اكن اعرف ان شعري سيتساقط مع مر الايام، و ان عشقي للموسيقى سيتحول الى جنون لا يفارقني، و ان اناملي ستغذو ناعمة و متخصصة في لمس الانامل الاكثر نعومة، و ان جراحات الحب الدفينة ستندمل بفضل الظهور المفاجئ لنورسات آدمية يغذين الروح بجمالهن.
عندما كنت صغيرا كنت اعشق صيد العصافير، و عندما استوعبت درس الحرية اندثر عشقي لهذا النوع من الصيد، فأصبحت بدله اعشق السينما و بنات الصيف و اغاني عبد الحليم و شامي كابور و حلقة خليفة و بوغطاط و بقشيش و حكاية حديدان الحرامي و سيف دو اليزان و مدينة الكنوز و لعبة دينيفري و بايت سيس و اكل البصارة و شرب جعة عايشة الطويلة.
عندما كنت صغيرا كنت عاشقا لكرة القدم و لاعبا ماهرا، و كنت لا اتخلف عن مشاهدة مباريات كرة القدم سواء في الملعب الشرفي او سطاد فيليب، و كنت اعرف كل اللاعبين المغاربة الذين اثروا فنون كرة القدم، و كنت كرويا فنانا على مستوى المراوغة او تسجيل الاهداف بواسطة ضربات المقص، و لعبت مع الكثير من فرق الاحياء و اشهر فريق كنت العب فيه: سيتي سوسيكا،