بقلم: المصطفى روض
يتواصل تصاعد موجة الغضب العالمي ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي بسبب مواصلة ارتكابها لجرائم الإبادة الجماعية يوميا مند ما يقارب السنتين.
إسبانيا التي تعكس في كل مناطقها دينامية شعبها ونخبها الثقافية والسياسية والفنية والتعليمية والرياضية المنخرطة بقوة في هدا الغضب العالمي، يحضر إعلامها بمختلف وسائله المرئية والمسموعة والمكتوبة والرقمية لمواكبة أحداث الإبادة الإسرائيلية سواء بتغطية مخلفاتها من قتل للفلسطينيين في قطاع غزة ومحاصرة مدنها وتجويع ساكنتها او بإنجاز تقارير إعلامية تتحدث فيها عن مختلف انشطة التضامن مع الشعب الفلسطيني التي تقام على المستوى العالمي أو الوطني سواء منها الأنشطة الثقافية او السياسية أو الاجتماعية.
أشكال راقية في التعبير عن التضامن
ولم تترك وسائل الإعلام أي نشاط مهما صغر حجمه أو كبر من دون أن تسلط عليه الأضواء للتعريف به وبأشكاله الراقية في التعبير عن قوة التضامن الإنساني والنضالي خدمة لعدالة القضية الفلسطينية ودفاعا عن الحقوق الوطنية لشعبها من أجل الظفر بتحرره الوطني ونيل استقلال أراضيه المحتلة من قبل إسرائيل وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
والقراء الملمون باللغة الإسبانية يجدون باستمرار فيما ينشر ويبث في مختلف وسائل الإعلام الإسبانية مقالات ودراسات غنية جدا بما توفره من معلومات دقيقة حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في كل مراحله من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948 حتى الآن مع حضور موازي بالطبع للمقالات والدراسات الخاصة بالثقافة الفلسطينية الأجناس الادبية.
قوة المد التضامني
وقد تحولت وسائل الإعلام الإسبانية بما فيها الوسائل الناطقة باللغات الجهوية، كالباسكية والغاليسية والكتالانية، إلى حاضنة لديناميكية حراك التضامن الشعبي وجزء من مراسليه وكتابه يرافقون سفن الأسطول العالمي المتجه الآن إلى قطاع غزة الدي يحاول نشطاءه من مختلف بلدان القارات الخمس إيصال المساعدات الإنسانية لساكنة غزة المحاصرة والمعرضة للإبادة أملا في إنشاء ممر إنساني لهم ووقف الإبادة عنهم وحماية لأطفالهم حتى يمكن لهم استعادة حياتهم الطبيعية؟
وكلما تصاعد المد التضامني الشعبي الإسباني مع فلسطينيي غزة دفاعا عن حقهم في الحياة والكرامة والحرية، إلا وانعكست مباشرة في وسائل الإعلام بمختلف أشكالها التي تتحول يوميا صفحاتها ومنصاتها وشاشات قنواتها المرئية والرقمية إلى مجرد مرآة شفافة تظهر قوة المد التضامني وتعطي فكرة شاملة عن حيوية الشعب الإسباني، كما تظهر قوة أصوات أفراده المشاركين بالآلاف المؤلفة في الأنشطة والمظاهرات وهي تصدح بالشعارات وتطالب بالوقف الفوري للإبادة الإسرائيلية وبحظر شامل على توريد الأسلحة وبقطع العلاقات التجارية مع الشركات الإسرائيلية.
الصهاينة ينسقون مظاهرات اليمين
وكان لوسائل الإعلام وللحراك التضامني في الساحة الإسبانية تأثير كبير على سياسة حكومة بيدرو سانشس التي كانت في البداية ولشهور عديدة مند إطلاق “طوفان الأقصى” مهادنة وتتعامل مع سياسة البطش الصهيونية تارة بالصمت وتارة بمطالبة نتياهو بوقف إطلاق النار من دون استعمال وسائل ضغط، فيما هدا الأخير كان يحرك أتباعه الصهاينة في الساحة الإسبانية من خلال مظاهرات بتنسيق مع الأحزاب اليمينية لتسويق الأطروحات الصهيونية بهدف جر إسبانيا وحكومتها لتبنيها وغض الطرف على التضامن مع غزة وحقوق الشعب الفلسطيني.
وكلما كان الحراك التضامني الإسباني يتصاعد بالموازاة مع تصاعد ديناميكية وسائل الإعلام، كلما كانت سياسة الحكومة تتغير لفائدة الشعب الفلسطيني، ولا ننسى في هدا السياق دور اليسار الراديكالي وحركته “سومار” بقيادة وزيرة العمل، يولاندا دياس، باعتبارها المكون الثاني في الحكومة التي كانت تلتقط روح الحراك الشعبي الإسباني وتقترح الإجراءات التي كان يجب على بيدرو سانشس أن يتخذها في وقتها المناسب. فكانت من الأوائل التي طلبته بأن يرفع دعوى قضائية ضد نتنياهو إلى الجنائية الدولية، وبان يتوقف عن توريد الأسلحة إلى الكيان الصهيوني، وعندما تجاهل مقترحاتها اضطرت إلى رفع دعوى إلى المحكمة لأنه في نظرها لا يمكن الاتجار مع دولة احتلال تقتل الأطفال الفلسطينيين وتحاصر شعبا بكامله بواسطة المجاعة والإبادة اليومية.
مجهودات الحراك التضامني يثمر نتائج إيجابية
وعلى العموم توجت مجهودات الحراك التضامني الشعبي ووسائل الإعلام واليسار الراديكالي والنقابات والنخبة المثقفة ومنظمات المجتمع المدني بنتائج إيجابية مهمة جعلت إسبانيا كلها محصنة من الاختراقات الصهيونية وتقف في مواجهة حكومة نتنياهو بتناغم وحدوي لمختلف المكونات والقطاعات كقوة ضاغطة تشجع اليوم بيدرو سانشس ووزير خارجيته على انتقاد سلبية الاتحاد الأوروبي وتطالبه باتخاذ مواقف حازمة ضد الكيان الصهيوني، والثلاثاء المقبل سيتخذ مجلس الوزراء إجراءات اقترحتها حركة “سومار” اليسارية لمعاقبة إسرائيل ضمنها حظر توريد الأسلحة ومنع استقبال الموانئ الاسبانية للسفن التي تنقل الأسلحة إلى غزة وقطع العلاقات التجارية وربما الدبلوماسية.
فعلا عندما تلتقي الإرادات: إرادة الشعب والإعلام وسياسة القيم الإنسانية، تكون النتائج في مستوى العدالة التي تحتاجها قضية الشعب الفلسطيني.
وفي هدا السياق مهما تحركت قوى اليمين واليمين الفاشي في إسبانيا ووسائل إعلامه الباهتة لفائدة الأطروحات الصهيونية ولتغذية أوهام نتنياهو، فإنها لن تحقق من خططها سوى المزيد من الأوهام التي تعريهم عن حقيقتهم امام الشعب الإسباني الدي لا يشك قيد انملة في أنهم مجرد أحزاب متواطئة مع الإبادة الصهيونية في جرائم إبادتها بنفس الدرجة التي يمارسون فيها تواطؤهم مع عدائهم العنصري صد المهاجرين المغاربة والأجانب.