في عام 1988، نشرت المفكرة ما بعد الكولونيالية غاياتري سبيفاك مقالها الشهير “Can the Subaltern
Speak Subaltern?”، الذي أصبح من النصوص المرجعية في دراسات ما بعد الاستعمار والنقد الثقافي. طرحت فيه سؤالا جوهريا حول إمكانية سماع صوت المواطن “المهمَّش”، أي أولئك الذين يقفون خارج البنى المهيمنة للسلطة والمعرفة، بفعل عوامل تاريخية واجتماعية واقتصادية.
تساءلت سبيفاك: هل يمكن للمواطن المهمَّش أن يتحدث بصوته الخاص، دون أن تحور قصته عبر مصفاة السلطة أو تعاد صياغتها بما يخدم السرديات الحاكمة؟
يكمن جوهر أطروحة سبيفاك في أن المواطن المهمَّش، حتى عندما يُمنح “منبرا”، يظل محاصرا داخل منظومات تمثيل تعيد إنتاج صمته، إما عبر التحدث باسمه، أو عبر إعادة سرد قصته بطريقة تفرغها من مضمونها السياسي والاجتماعي. وبذلك، يصبح الكلام نفسه خاضعا لشروط السلطة، ويتحوّل الصوت الفردي إلى مادة تستثمر رمزيا وسياسيا بدل أن تسمع كما هي.
هذه النظرية المنتمية لحقل العلوم السياسية، ليست حكرا على سياقات الاستعمار القديم أو مجتمعات الجنوب العالمي في القرن العشرين؛ بل تظل مناسبة لتحليل الواقع السياسي المعاصر أيضا، حيث ما زال “الهامش” في كثير من الدول، ومنها المغرب، يعيش داخل فضاء تتحدد فيه شرعية الكلام ومضمونه من المركز (السلطة). وهنا تتبدى راهنية سؤال سبيفاك، ليس كمجرد إشكال فلسفي، بل كأداة لفهم كيف تتحول المآسي الفردية في الهوامش إلى سرديات لتجييش شعور الوطنية وإعادة إنتاج نفس البنى السلطوية التي سببت المأساة من الأصل.
وانطلاقا من هذا الإطار النظري، سنسعى الى اختبار صلاحية أطروحة سبيفاك في قراءة وقائع من السياق المغربي المعاصر، حيث تتقاطع بنية التهميش التاريخي مع آليات التمثيل السلطوي التي تعيد صياغة صوت الهامش. فكما ترى سبيفاك أن المواطن المهمَّش، حتى في لحظة حضوره القصوى، يعاد دمجه في خطاب السلطة وفق شروط هذه الأخيرة.
مأساة ريان: الحزن المؤطر
يمكننا أن نتلمس تجليات هذه الآلية في سلسلة من الأحداث التي هزّت الرأي العام، لكنها أُعيدت صياغتها في القوالب ذاتها التي تحدّثت عنها. تبدأ هذه الدراسة بحالة الطفل ريان، التي تحولت من مأساة فردية في قرية جبلية معزولة إلى أيقونة وطنية منزوع عنها سياقها السياسي والاجتماعي، قبل أن نوسّع التحليل إلى أحداث أخرى تكشف أن ما جرى مع ريان ليس استثناءً، بل جزء من بنية أوسع لإنتاج الصمت في «المغرب المنسي».
في الخامس من فبراير 2022، أسدل الستار على عملية إنقاذ استمرت خمسة أيام في قرية إغران، ضواحي شفشاون، بخروج جسد الطفل ريان أورام، البالغ من العمر خمس سنوات، من بئر ضيقة وعميقة كان قد سقط فيها عرضا. منذ اللحظات الأولى للحادث، تحول المشهد إلى قضية رأي عام، إذ تناقلت وسائل الإعلام المحلية والدولية تفاصيل عملية الإنقاذ لحظة بلحظة، واحتشدت فرق الإنقاذ والمتطوعون وسط تضاريس وعرة وبنية تحتية شبه غائبة. ومع تصاعد الاهتمام الشعبي والافتراضي، دخلت الدولة بقوة إلى قلب المشهد، لكن ليس في إطار مساءلة سياسية أو بحث في جذور الخلل الذي جعل بئرا مكشوفة تهدد حياة طفل، بل في إطار احتفالي ركز على صور التضامن واللحظة العاطفية التي أعقبت إخراجه.
التغطيات الدولية – من BBC وThe Guardian إلى France 24 وAl Jazeera – ربطت الحادثة بضعف البنية التحتية في “المغرب العميق” وغياب شروط السلامة في المناطق النائية، لكن الخطاب الرسمي والإعلام الموالي أعادا صياغة القصة داخل إطار وطني موحد، حوّل ريان من ضحية تهميش بنيوي إلى رمز جامع للتلاحم الوطني، منزوع الدلالة السياسية. وهنا تتبدّى بدقة أطروحة سبيفاك: فالمواطن المهمش لم يسمح له أن “يتكلم”، أي أن تعكس حكايته الواقع الاجتماعي والسياسي الذي أنتج المأساة، بل جرى “التحدث باسمه” عبر خطاب يجمّد قصته في صورة أيقونية آمنة، قابلة للتسويق الرمزي، لا تهدد توازنات السلطة.
بل إن هذا التمثيل المهيمن لم يكتف بمصادرة صوت ريان، بل تعداه إلى مصادرة حتى لحظة الحزن الخاصة بوالديه؛ إذ لم يترك لهما المجال لعيش فجيعتهما كاملة، أو للبكاء على طفلهما في خصوصية إنسانية خالصة، بل أدرج حزنهما ضمن المشهد العام، وصار مادة للتأطير الإعلامي. وبهذا، تحوّل الحداد الشخصي إلى أداء جماعي موجه، حيث يستثمر ألم الأسرة في تعزيز سردية الوحدة الوطنية، ويسلب منه حقه الطبيعي في أن يكون فعل مقاومة صامتة أو احتجاجا ضمنيا على واقع التهميش.
بهذا المعنى، لم يكن الصمت الذي أحاط بريان بعد خروجه من البئر مجرد نتيجة لفقدان الحياة، بل كان صمتا سياسيا منتجا بوعي، حيث أُقصيت الأسئلة الجوهرية: لماذا بقيت البئر مفتوحة؟ وأين كانت المسؤولية المؤسساتية في حماية الأطفال في هذه المناطق؟ لقد تحولت الكارثة إلى عرض وطني يختزل الهامش في صورة مؤثرة، ويستبعد من قاموسه أي مساءلة أو إصلاح بنيوي، ليعيد إنتاج الصمت نفسه الذي تحدّثت عنه سبيفاك، حيث الحضور الإعلامي للهامش يخفي غياب صوته الحقيقي
زلزال الحوز: المأساة المستمرة
لكن ريان لم يكن سوى وجه واحد من وجوه الصمت البنيوي في «المغرب المنسي». بعد عام ونصف فقط، جاء زلزال الحوز ليكشف أن بنية التهميش التي أودت بحياة طفل في بئر، هي نفسها التي تركت قرى بأكملها عرضة للهلاك تحت الركام. المشهد تكرّر، لكن على نطاق أوسع: الكارثة تحوّلت إلى عرض وطني تتصدّره صور التضامن الرسمي، بينما جرى التحكم في مسار السرد الإعلامي، وتهميش الأسئلة الجذرية حول غياب البنية التحتية، واحتكار الدولة لحق التحدث باسم المنكوبين. هنا أيضًا، يطل سؤال سبيفاك من جديد: هل يمكن للمنكوبين أن يتحدثوا، أم أن صوتهم سيُعاد إنتاجه وفق شروط السلطة، ليصبح جزءًا من خطاب وطني منزوع الدلالة السياسية؟
في مساء الجمعة 8 سبتمبر 2023، اهتزت الأرض تحت أقدام سكان إقليم الحوز والمناطق الجبلية المجاورة على وقع زلزال بلغت شدته نحو سبع درجات، هو الأقوى الذي يسجله المغرب منذ أكثر من قرن. خلال دقائق، انهارت بيوت طينية متلاصقة في عشرات القرى، وانقطعت الطرق بفعل الانهيارات الصخرية، وتحولت مسالك وعرة أصلا إلى جبهات مغلقة أمام فرق الإنقاذ. مع طلوع فجر اليوم التالي، بدأت الحصيلة الكارثية تتضح: آلاف القتلى والمصابين، وأسر بأكملها قضت تحت الركام، وقرى محولة إلى مساحات من الغبار والأنقاض. المشهد كان صادما، لكن الأكثر صدمة كان إدراك أن البنية التحتية الهشة، وغياب خطط استجابة فعالة، قد ضاعفا مأساوية الحدث.
منذ الساعات الأولى، انهالت عروض المساعدة من عشرات الدول، بينها قوى كبرى ذات قدرات إنقاذ متقدمة، لكن الرباط اعتمدت سياسة انتقائية حادة، فقبلت فرقا من أربع دول فقط (إسبانيا، قطر، المملكة المتحدة، الإمارات) مبررة ذلك بضرورات «التنسيق» و«منع الفوضى». هذا القرار، الذي برره الإعلام الرسمي بمنطق السيادة، قرأه مراقبون كآلية للتحكم في تدفق المعلومات، وضبط ما يمكن للصحافة الدولية أن ترصده من حجم الإهمال التاريخي في هذه المناطق النائية. هنا تتضح آلية «التمثيل النيابي» عند سبيفاك: الدولة تتحدث باسم المنكوبين، وتحدّد حتى من يُسمح له بالدخول لرؤية واقعهم، فتكون السيطرة على السرد جزءًا من السيطرة على الأرض.
ففي الوقت الذي شدّدت فيه الدولة على رفض المساعدات الدولية بدعوى «التنسيق» و«منع الفوضى»، تركت الباب مفتوحًا أمام فوضى أشد ابتذالًا: غزو المؤثرين واليوتيوبرز للقرى المنكوبة، محوّلين المأساة إلى مشاهد عاطفية للاستهلاك الرقمي. هكذا تتجلى المفارقة العارية: ما يُقصى حين يهدد بكشف تقصير الدولة يُسمح به حين يخدم سرديتها؛ وما يُرفض بذريعة السيادة والضبط .
الكاميرات صارت تلتقط مشاهد توزيع المساعدات، وأطفالًا يتلقون الهدايا، ولقطات عاطفية معدة بعناية للبث على منصات التواصل. مهما كانت النوايا، فإن هذا «التضامن البصري» — كما يمكن قراءته بمنظور سبيفاك — أسهم في إعادة إنتاج صورة الهامش كموضوع للتعاطف لا كفاعل سياسي. فاللقطات المؤثرة تنتشر على نطاق واسع، لكنها تتجنب طرح الأسئلة البنيوية: لماذا لم تصل المساعدات في الوقت المناسب؟ أين ذهبت أموال الإعمار؟ ما هي معايير اختيار المستفيدين؟ وهكذا يتحول الصوت المحلي إلى خلفية لصورة مُفلترة، حيث الحضور الإعلامي الكثيف يُخفي الغياب الأعمق: غياب القدرة على صياغة خطاب سياسي مستقل، يعكس المطالب الحقيقية للسكان.
هكذا تتجلى المفارقة العارية: ما يقصى حين يهدد بكشف تقصير الدولة يسمح به حين يخدم سرديتها؛ وما يرفض بذريعة السيادة والضبط يستدرج طواعية ليعيد إنتاج صورة الهامش كفرجة إنسانية، بينما يُكمم صوته السياسي الفعلي.
بهذا المعنى، فإن زلزال الحوز لا يكشف فقط عن مأساة طبيعية، بل عن مأساة تمثيل. فالمنكوبون «تحدثوا» — عبر الشكاوى، والاحتجاجات، وحتى في حديثهم أمام الكاميرات — لكن أصواتهم أُعيدت صياغتها داخل سردية رسمية وإعلامية تحوّلهم إلى رموز للوحدة الوطنية أو لمحتوى إنساني على وسائل التواصل، بينما تُقصى مطالبهم الجوهرية عن دائرة القرار. وهذا هو لبّ سؤال سبيفاك: هل يُسمح للهامش أن يتكلم بلغته، أم أن كل ما يقوله يجب أن يمر أولًا عبر فلتر المركز، ليخرج في صورة آمنة لا تهدد البنية التي صنعت هشاشته؟
بعد أيام قليلة، أعلن الملك عن إطلاق برنامج إعمار شامل بقيمة 12 مليار دولار، يمتد على خمس سنوات، ويشمل إعادة بناء المساكن، وترميم البنية التحتية، وفك العزلة، وتنمية الاقتصاد المحلي. رُوّج لهذا الإعلان في الإعلام الموالي كالتزام تاريخي غير مسبوق، وأُدخل ضمن سردية الدولة القوية القادرة على تحويل المحنة إلى فرصة. لكن مع مرور الأشهر، بدأ التباين بين الخطاب والواقع يظهر جليًا: تقارير من الأهالي ومنظمات محلية تحدثت عن بطء شديد في التنفيذ، وغياب الشفافية في صرف الأموال، ومشاريع متوقفة أو لم تبدأ أصلًا. وعندما تحولت الشكاوى إلى احتجاجات سلمية في بعض القرى، للمطالبة بجدولة واضحة للوعود، جاء الرد أمنيًا، باعتقال أحد قادة الحراك المحلي، ما يعكس استمرار نمط قمع الصوت الهامشي إذا تجاوز الإطار المرسوم له.
وهكذا تحولت الكارثة، في بعدها السياسي، إلى ثروة رمزية ومالية في يد السلطة: صورة تستثمر لتعزيز شرعيتها، وميزانية إعمار تدار في غياب الرقابة، ما يفتح الباب أمام شبهات الفساد ونهب المال العام، بينما يبقى الهامش، مرة أخرى، حاضرً بكثافة في الصور وغائبا عن القرار.
لكن مع مرور الأشهر، بدأ التباين بين الخطاب والواقع يظهر جليًا: تقارير من الأهالي ومنظمات محلية تحدثت عن بطء شديد في التنفيذ، وغياب الشفافية في صرف الأموال، ومشاريع متوقفة أو لم تبدأ أصلًا. وعندما تحولت الشكاوى إلى احتجاجات سلمية في بعض القرى، للمطالبة بجدولة واضحة للوعود، جاء الرد أمنيًا، باعتقال أحد قادة الحراك المحلي، ما يعكس استمرار نمط قمع الصوت الهامشي إذا تجاوز الإطار المرسوم له.
وفي سبتمبر الجاري، وبعد مرور سنتين كاملتين على الزلزال، خرج سكان جماعة تافيكولت بإقليم تارودانت في مسيرة احتجاجية تُطالب بتسريع وتيرة الإعمار وتوضيح مصير الوعود الرسمية التي ظلت طوال عامين حبيسة التصريحات. رفع المحتجون شعارات تتعلق بالحق في السكن، والماء، والكهرباء، والطرقات، أي بشروط الحياة الكريمة في معناها الأولي. غير أنّ هذه المسيرة جرى اعتراضها من طرف القوات العمومية ومنعها من الوصول إلى مقر العمالة، في مشهد يؤكد أنّ الهامش، حتى بعد مرور زمن طويل على الكارثة، ما يزال يُواجَه بالمنع حين يحاول أن يعبّر عن مطالبه بوسائل سلمية. إن هذا الاعتراض المتأخر يكشف أن المشكلة ليست تقنية أو ظرفية، بل بنيوية: إذ يُنظر إلى الصوت الاحتجاجي بوصفه تهديدًا ينبغي ضبطه، لا بوصفه ممارسة مشروعة للمساءلة والمطالبة بالحقوق.
وما يؤكد الطبيعة الممنهجة لهذا الصمت أن القمع لم يقتصر على الميدان، بل امتد إلى المجال الرمزي. فحين علّق الكاتب والناشط الحقوقي حسن بناجح على هذه الأحداث مسجّلًا موقفًا ناقدًا للتعاطي الرسمي، وجد نفسه هدفًا لحملة تشهير قادتها مواقع إعلامية مرتبطة بماكينة التشويه الرسمية. هذه الحملات لا تكتفي بتجريد الخطاب الناقد من شرعيته، بل تعيد تأطيره داخل سردية تُفرغه من مضمونه السياسي والاجتماعي، لتعيد إنتاج آلية ‘التحدث باسم الآخر’ التي وصفتها سبيفاك. هنا يصبح الصمت بنيويًا على مستويين متوازيين: الأول ميداني يُكمّم أفواه المنكوبين، والثاني رمزي يُشوّه من يجرؤ على نقل أصواتهم أو منحهم شرعية الكلام.
من سؤال الكلام إلى سؤال الإصغاء؟
يبدو واضحًا أن “المواطن المهمّش” في هذه السياقات قد يسمح له بالكلام، لكن صوته لا ينجو من التصفية الرمزية، إذ يعاد إنتاج صمته داخل منظومات السلطة والمعرفة ذاتها التي همشته. إن استمرار هذا النمط من التمثيل، وتكراره عبر أجيال ومناطق مختلفة، يحوّل سؤال “هل يمكن للمهمَّش أن يتكلم؟” إلى سؤال أكثر إلحاحا: هل يمكن للمركز أن يصغي؟
الإجابة، إذا ما ظلّت هذه البنية على حالها، ليست سوى المزيد من المآسي التي تُحوَّل إلى رموز وطنية، والمزيد من الأصوات التي تُختزل في صمت مُمَأسس. لذلك، فإن أي مقاربة جادّة للعدالة المجالية لا يمكن أن تكتفي بالوعود أو الشعارات، بل لا بد أن تبدأ بالاعتراف بحق الهامش في أن يعرّف نفسه، ويعبّر عن واقعه، ويشارك في صياغة الحلول من موقع الندّية، لا من موقع المتلقي. عندها فقط يمكن القول إن المهمَّش لم يعد يتحدث وحسب، بل أصبح صوته مسموعًا وفاعلًا في إعادة صياغة المجال السياسي والاجتماعي برمته.
تشكل مأساة ريان وزلزال الحوز، على اختلاف طبيعتيهما، مرآتين تعكسان البنية العميقة لإنتاج الصمت في «المغرب المنسي». في الحالتين، وجد الهامش نفسه في قلب لحظة حضور استثنائي، تتجه نحوه الكاميرات وتُسخّر له المنصات، لكن هذا الحضور كان مُفلترًا ومؤطرًا، بحيث لا يهدد السردية التي تحتكر الدولة صياغتها. في ريان، تحولت المأساة الفردية إلى رمز عاطفي للوحدة الوطنية، منزوع عن سياقه البنيوي الذي أفرز البئر المكشوفة. وفي الحوز، تحولت الكارثة الجماعية إلى مسرح تضامن مُدار، تُحدد الدولة أطرافه، ويتقاسمه الإعلام الموالي والإنفلونسرز، بينما تُقصى الأسئلة الجوهرية عن العدالة، والمحاسبة، والتنمية المتوازنة.
بهذا المعنى، يظل سؤال سبيفاك «هل يمكن للمهمش أن يتكلم؟» سؤالا حيا وملحًّا في السياق المغربي. فالمشكلة ليست في غياب الصوت، بل في إعادة تمثيله ضمن قوالب رمزية تُفرغه من مضمونه السياسي والاجتماعي، وتعيد إنتاج الهشاشة التي انطلق منها. إن كسر هذه الحلقة يتطلب إعادة توزيع سلطة الكلام، بحيث يصبح المنكوب أو المهمش قادرًا على صياغة روايته بنفسه، خارج الذهنية السلطوية، وبأدوات تمثيل تضمن أن ما يقال لا يتحول إلى زينة في خطاب السلطة، بل إلى فعل مقاومة يسائل، ويكشف، ويغير.
عفاف برناني
نيويورك